رغم بريقه الذي يجذب ملايين الأشخاص حول العالم، يثير الذهب حيرة المستثمرين في مصر، إذ بينما يواصل سعره التراجع في الأسواق المحلية والعالمية على حد سواء، يحذر بعض التجار من شراء المعدن الأصفر بغرض الاستثمار في الوقت الحالي، رغم ما قد تبدو للوهلة الأولى أنها فرصة استثمارية واعدة.. فما العوامل التي تدفع لهذا التحذير؟ وما الموعد المناسب للاستثمار فيه؟
وخلال الأيام الماضية، تراجعت أسعار الذهب في الأسواق العالمية بشكل ملحوظ، متأثرة بارتفاع قيمة الدولار وزيادة عوائد سندات الخزانة الأميركية وزيادة إقبال المستثمرين على المخاطرة في الأسواق المالية، مما انعكس على تراجع جاذبية الذهب كملاذ استثماري.
وهبطت أسعار الذهب، الثلاثاء، إلى أدنى مستوى في نحو شهرين حيث انخفض الذهب في المعاملات الفورية 0.9% إلى2597.91 دولار للأوقية (الأونصة) مسجلاً أدنى مستوياته منذ 20 سبتمبر، وانخفضت العقود الآجلة الأميركية للذهب 0.5% إلى 2604.30 دولار، فيما ارتفع الدولار صوب أعلى مستوى في أربعة أشهر مقابل العملات الرئيسة اليوم.
وفي السوق المصرية، انعكست التغيرات العالمية على أسعار الذهب، حيث سجلت الأسعار تراجعاً واضحاً في الأيام الأخيرة، وانخفض سعر غرام الذهب عيار 24 قيراط إلى 4251 جنيهاً (86.3 دولار) وعيار 21 قيراط إلى حوالي 3720 جنيهاً (75.5 دولار)، بينما سجل عيار 18 قيراط نحو 3188 جنيهاً (64.7 دولار) وعيار 14 قيراط إلى 2480 جنيهاً (50.3 دولار).
ويعود هذا الانخفاض، وفق عدد من التجار والخبراء إلى تراجع الأسعار العالمية، والطلب على الذهب في السوق المحلية، بالإضافة إلى اضطراب سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الذي شهد ارتفاعاً في الأيام الماضية مسجلاً 49.23 جنيه من مستويات 48 جنيهاً.
وفي ظل هذه الظروف، يرى تجار ذهب أن أسعاره الحالية غير مستقرة، مما يجعل الاستثمار فيه محفوفاً بالمخاطر، وينصحون بتجنب الشراء بغرض الاستثمار في الوقت الحالي والانتظار حتى تتحقق عوامل الاستقرار على مستوى الأسواق العالمية والمحلية.
وتأتي هذه التحذيرات كخطوة احترازية لحماية المستثمرين من تقلبات السوق، التي قد تؤدي إلى خسائر في حال الشراء في الوقت الحالي. كما أن المؤشرات الحالية تجعل من الصعب على المستثمرين المضاربة فيه بهدف الربح السريع.
ووفقاً لرئيس الشعبة العامة للمشغولات الذهبية في اتحاد الغرف التجارية، هاني ميلاد، فإن سوق الذهب العالمي والمحلي تمر بمرحلة عدم وضوح، مما يدفع الشعبة إلى تقديم توصيات للمستثمرين بتجنب الشراء بهدف الاستثمار مؤقتاً، حتى تستقر الأسواق وتعود التوقعات إلى مسار أكثر وضوحاً.
وفي حديث لـ«إرم بزنس» يشير ميلاد إلى أن الذهب يواجه حالياً ضغوطاً إضافية تتمثل في استمرار ارتفاع معدلات التضخم العالمية وتصاعد المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وهي عوامل تزيد من تدفقات رؤوس الأموال نحو الدولار الأميركي وأصول أكثر أماناً مثل السندات الحكومية، مما يقلل من جاذبية الذهب كمصدر آمن للتحوط.
وبينما يظل الذهب وسيلة جيدة للادخار طويل الأمد، يؤكد ميلاد أن القرارات الاستثمارية وليست المضاربة تحتاج إلى سوق متوازنة، وهو أمر غير متوفر حالياً. كما أن أي استثمار حالياً يعتبر مخاطرة كبيرة، لذلك يجب عدم التسرع في اتخاذ قرارات الشراء.
ووفق رئيس شعبة المشغولات الذهبية فإن استقرار سعر الذهب في السوق المحلية، مرهون باستقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، إذ يشجع هذا الاستقرار المستثمرين على العودة للاستثمار مجدداً في المعدن الأصفر.
وخلال الأيام الماضية، ارتفع الدولار أمام الجنيه في البنوك المصرية، ليسجل مستوى 49.23 جنيه في تعاملات الاثنين، فيما كان سعره قبل أكثر من أسبوعين عند 48.52 جنيه.
وكان لفوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، تأثير مباشر على أسعار الذهب، وفق إيهاب واصف، رئيس شعبة صناعة الذهب والمجوهرات والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات المصرية، إذ يشير في تصريحات لـ«إرم بزنس» إلى أن أسعار الذهب في السوق العالمية انخفضت بشكل كبير بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مما أثر أيضاً على الأسعار المحلية.
ومع إعلان فوز ترامب بالانتخابات، جاءت ردود فعل الأسواق العالمية للذهب على نحو غير متوقع، إذ تراجعت أسعاره بشكل ملحوظ، مسجلاً أكبر خسارة له في نحو 5 أشهر.
وفي ظل هذه التقلبات ينصح واصف بعدم الشراء مؤقتاً بغرض الاستثمار إلى أن تستقر الأسعار، مثلما دعا من قبل في بداية العام الجاري، بالتوقف عن الشراء لعدم عدالة الأسعار آنذاك.
ويعزى واصف انخفاض أسعار الذهب العالمية إلى عدة عوامل أبرزها التفاؤل بأسواق الأسهم، حيث دفعت خطط ترامب الاقتصادية – التي تركز على زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب – المستثمرين للتحول نحو الأسهم والأصول ذات المخاطر العالية بدلاً من الملاذات الآمنة كالذهب، مما زاد الطلب على الأصول الأكثر مخاطرة وقلل الإقبال على المعدن الأصفر.
إضافة إلى ذلك، فإن استقرار الدولار كان له دور بارز، حيث توقع المستثمرون قوة أكبر للعملة الأميركية بعد تصريحات ترامب حول إصلاحاته الاقتصادية ودعمه للصناعة المحلية، وهو ما أثّر سلباً على أسعار الذهب نظراً للعلاقة العكسية بينهما.
وبينما ترى شعبة الذهب أن الوقت الحالي ليس الأنسب للاستثمار، يرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده أيضاً أن الأسعار الحالية قد لا تعكس بدقة حالة العرض والطلب على المدى القصير، بل قد تكون مدفوعة بتقلبات الأسواق المالية العالمية.
ويشير عبده، في حديث لـ«إرم بزنس» إلى أن الأسعار الحالية قد لا تكون مستقرة بعد، لأنها تعتمد بشكل كبير على التغيرات العالمية وعلى السياسة النقدية الأميركية التي تؤثر في الاستثمار العالمي للذهب.
ويوضح أن الشراء بغرض الاستثمار يتطلب استقراراً طويل المدى في الأسعار، لكن سوق الذهب حالياً، يتعرض لاضطرابات بسبب تغيرات غير متوقعة في سعر الدولار وتقلبات الأسعار العالمية، مما يجعل الاستثمار في الذهب مخاطرة.
كما تبرز عوامل محلية، بحسب الخبير الاقتصادي، مثل تقلب سعر الجنيه المصري أمام الدولار، مشيراً إلى أن المشترين المصريين قد يعتقدون أن الأسعار منخفضة، لكنها عرضة للتقلب بشكل حاد خلال فترات قصيرة. وفي النهاية، قد يؤدي هذا التقلب إلى خسائر غير متوقعة لمن يدخل السوق على أساس الاستثمار القصير أو المتوسط الأمد.
يرى عبده أن استقرار أسعار الذهب قد لا يكون قريباً على المدى القصير، إذ يعتمد ذلك بشكل رئيس على سياسة الفائدة الأميركية والوضع الجيوسياسي العالمي والتوازن بين العرض والطلب.
وأثار انتخاب ترامب تكهنات بشأن تباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، الأمر الذي يقلل من جاذبية الذهب غير المدّر للعائد مقارنة بالاستثمارات الأخرى.
ويتوقع الخبير الاقتصادي أن يشهد الذهب استقراراً في أسعاره عالمياً إذا قرر الاحتياطي الفيدرالي تخفيف سياسته النقدية المتشددة، أو في حالة انتهاء التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على الأسواق العالمية.
وعلى المستوى المحلي، يؤكد عبده أننا بحاجة إلى رؤية أكثر وضوحاً لسياسة البنك المركزي المصري تجاه التضخم وسعر الفائدة، لأن ذلك سيشكل فارقًا كبيرًا بالنسبة لمستثمري الذهب في مصر، مشيراً إلى أنه بدون استقرار اقتصادي محلي، ستظل سوق الذهب عرضة لتقلبات غير مرغوبة للمستثمرين.