مع اقتراب نهاية كل عام، يجتمع قادة الصين في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لمراجعة أداء الاقتصاد خلال العام الماضي وتحديد الأولويات للعام المقبل. ولكن هذا العام، تبدو التحديات أكثر وضوحاً وصعوبة، حيث يُظهر الماضي ضعف الثقة الاستهلاكية، ويهدد المستقبل بحرب تجارية محتملة مع الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لتقرير نشرته مجلة إيكونومست البريطانية.
ارتفعت مبيعات التجزئة في الصين خلال نوفمبر 3% فقط مقارنة بالعام السابق، مع تضخم ضعيف بلغ 0.2% فقط. هذه الأرقام تعكس حذراً مستمراً لدى الأسر الصينية، حيث لم تتعافَ الثقة الاستهلاكية منذ انهيارها في أثناء إغلاقات كوفيد-19 في 2022.
أما على صعيد التجارة الدولية، فتواجه الصين احتمال اندلاع حرب تجارية جديدة مع الولايات المتحدة؛ إذ هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60% على الواردات الصينية، إضافة إلى 10% أخرى.
وتعهدت القيادة الصينية بزيادة المعاشات والإعانات الصحية لتشجيع الأسر على تقليل الادخار وزيادة الإنفاق، ويتوقع الخبراء في بنك «غولدمان ساكس» أن يرتفع العجز المالي إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025 نتيجة لهذه الإجراءات.
وتشير تقديرات «سيتي جروب» (Citigroup)، إلى أن مثل هذه الرسوم قد تخفض معدل النمو الصيني بمقدار 2.4 نقطة مئوية إذا لم يتم اتخاذ إجراءات تخفيفية.
للتغلب على التحديات الاقتصادية في العام المقبل، يبدو أن الصين قد تضطر الآن إلى إعطاء الأولوية لتعزيز الطلب المحلي بدلاً من التركيز على فرض الانضباط المالي. وتشير المؤشرات إلى أن هذا التوجه بدأ يلقى قبولاً، ففي نوفمبر، أعلنت وزارة المالية عن السماح للحكومات المحلية بإصدار سندات إضافية لتحل محل ديون "مخفية" تُقدر بـ10 تريليونات يوان، والتي كانت تُدار غالباً عبر أدوات تمويل أنشئت للتهرب من قيود الاقتراض. هذا الإجراء من شأنه أن يقلل تكاليف الاقتراض لهذه الحكومات.
ووفقاً لتحليل آدم وولف من شركة «أبسلوت ستراتيجي ريسيرش» (Absolute Strategy Research)، فإن هذا التغيير قد يتيح للحكومات المحلية تحرير حوالي 1.2 تريليون يوان بحلول عام 2025 كانت مخصصة سابقاً لإعادة تمويل هذه الديون.
ظهر هذا التحول في السياسات بوضوح خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، حيث أصبح "تعزيز الاستهلاك بقوة" وتوسيع الطلب المحلي أولويات الحكومة الرئيسية، متجاوزة بذلك هدف الرئيس شي جين بينغ التقليدي المتعلق بتطوير الصناعة. وكان لافتاً أيضاً غياب مصطلح "الإصلاح الهيكلي لجانب العرض"، الذي ظل يظهر في كل تقارير المؤتمر منذ عام 2015.
أوضح تقرير الإيكونومست أن الصين كانت في الماضي قادرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية عبر حزم تحفيزية ضخمة، ففي 2008، خلال الأزمة المالية العالمية، لعبت الحكومة دوراً كبيراً في دعم الاقتصاد من خلال دفع البنوك والشركات المملوكة للدولة للإقراض والإنفاق. لكن السياسات التحفيزية الأخيرة كانت متأخرة وغير فعالة، حيث خُفضت معدلات الفائدة وتكاليف الرهن العقاري، لكن الطلب على الائتمان ظل ضعيفاً.
حاولت الحكومة إحياء سوق العقارات من خلال دعم المشاريع السكنية "الموثوقة"، وعرضت ما يصل إلى 300 مليار يوان كتمويل رخيص لتحويل العقارات غير المبيعة إلى مساكن ميسورة التكلفة، لكن الإقبال كان محدوداً للغاية، حيث تم استغلال أقل من 15% من المبلغ بحلول نوفمبر.
وكانت طفرة الائتمان بعد الأزمة المالية العالمية قد تركت الصين بمستويات ديون مرتفعة، وطاقة إنتاجية زائدة، وملايين الشقق غير المبيعة. ومنذ عام 2012، اعتمد الرئيس شي جين بينغ سياسة «الإصلاح الهيكلي على جانب العرض»، التي ركزت على تقليل الفائض الصناعي وخفض الديون. ومع ذلك، أعاقت هذه السياسة قدرة الصين على التحفيز السريع والفعال في مواجهة الأزمات الحالية.
تُظهر السياسات الأخيرة تحولاً نحو التركيز على تعزيز الطلب المحلي بدلاً من فرض الانضباط المالي، وأعلنت وزارة المالية في نوفمبر السماح للحكومات المحلية بإصدار سندات إضافية لتقليل تكاليف الاقتراض. كما أكدت أولوية تعزيز الاستهلاك ضمن تسع مهام رئيسة في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تجاوز أهداف تحديث الصناعة في قائمة الأولويات.
وتسعى الحكومة إلى زيادة الثقة الاستهلاكية من خلال استقرار سوق العقارات، وفي نوفمبر، ارتفعت مبيعات العقارات السكنية الجديدة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، واستقرت أسعار العقارات القائمة تقريباً؛ ما قد يمنح المستهلكين ثقة أكبر في ثرواتهم المرتبطة بالعقارات.
بالإضافة إلى ذلك، قد تلجأ المدن إلى استخدام قسائم إلكترونية لتحفيز الإنفاق على الترفيه والخدمات، مثلما فعلت شنغهاي مؤخراً. كما توسع الحكومة برنامج «استبدال الأجهزة»، الذي شجع الأسر على ترقية سياراتها وأجهزتها المنزلية؛ ما أدى إلى زيادة مبيعات الأجهزة 22% في شهر نوفمبر.