فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على أقرب حلفاء بلاده، كندا والمكسيك قبل أن يؤجل تطبيق التعرفة عليهما، بينما اكتفى بفرض 10% على الصين، ما يثير تساؤلات حول دوافع هذه الاستراتيجية. فرغم أن ترامب وعد خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم لا تقل عن 60% على الواردات الصينية، إلا أن الإجراءات الحالية تبدو أقل صرامة تجاه بكين مقارنة بحلفاء واشنطن بحسب صحيفة «ليزيكو» الفرنسية.
القرار يثير الاستغراب، لا سيما وأن العجز التجاري الأميركي مع الصين هو الأكبر، إذ بلغ 280 مليار دولار في 2023، مقابل 68 ملياراً مع كندا و152 ملياراً مع المكسيك، وكان ترامب قد تعهد بالقضاء على هذا العجز «غير العادل»، لكنه يبرر خطوته الحالية بضرورة إجبار الشركاء التجاريين على مكافحة تدفق المخدرات الصناعية إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الصين لم تُستهدف بسبب دعمها لقطاعها الصناعي، وإنما لدورها في تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع «الفنتانيل».
على عكس الرسوم الجمركية التي فرضها بين عامي 2018 و2019، والتي استهدفت الصين بشكل أساسي بسبب عجز تجاري بلغ حينها 419 مليار دولار، يبدو أن نهجه هذه المرة أكثر توازناً، ففي حين أضاف الرئيس جو بايدن في 2024 تعريفات جديدة على سلع صينية بقيمة 18 مليار دولار، يستعد ترامب الآن لفرض رسوم جمركية إضافية بقيمة 400 مليار دولار، تشمل حتى أجهزة «آيفون» المصنوعة في الصين.
مع ذلك، فإن الرسالة التي يوجهها ترامب واضحة: العقوبات على الصين ما زالت محدودة مقارنة بحلفاء أميركا، فما هو السبب؟
الصين قوة عسكرية وصناعية وتكنولوجية كبرى، وليست مجرد شريك اقتصادي كما هو الحال مع كندا والمكسيك. ترامب، الذي طالما أبدى إعجابه بالزعماء الأقوياء، يرى في الرئيس الصيني شي جين بينغ لاعباً رئيساً في السياسة العالمية، ولا يرغب في دفع بكين إلى مواجهة اقتصادية شاملة في هذه المرحلة.
إحدى الملفات الرئيسة التي يراهن عليها ترامب في تعامله مع الصين هي صفقة استحواذ شركة أميركية على منصة «تيك توك»، التي تمتلكها شركة «بايت دانس» الصينية، فرغم أنه علق قرار حظر التطبيق فور تنصيبه، فإنه منح نفسه مهلة 75 يوماً لإتمام الصفقة. حتى الآن، ترفض بكين بيع «تيك توك»، لكن العديد من المشترين المحتملين أبدوا اهتمامهم، بمن فيهم إيلون ماسك، الذي يُعتبر من أقرب مستشاري ترامب، والذي تربطه مصالح قوية بالصين من خلال مصنع «تسلا» العملاق هناك.
لا يزال ترامب يحتفظ بأوراق ضغط ضد الصين، لكن يبدو أن استراتيجيته الحالية تتجه نحو فرض الهيمنة الاقتصادية على الحلفاء أولاً قبل التصعيد ضد بكين. الرسوم الجمركية الجديدة تهدف إلى تعزيز الخزانة الأميركية، وإجبار الشركاء التجاريين على الامتثال لمصالح واشنطن. في النهاية، يبدو أن الأولوية الآن ليست «معاقبة» الصين، بل فرض التفوق الأميركي على العالم في ظل قواعد لعبة جديدة.