من المتوقع أن تؤثر عودة دونالد ترامب إلى منصبه كرئيس للولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي الذي شهد تغيرات كبيرة منذ ولايته الأولى؛ ما سيجعله أكثر اعتماداً على السوق الأميركية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، قد تحمل سياسات ترامب المقترحة، والتي تشمل فرض تعريفات جمركية شاملة، تأثيرات قوية على اقتصادات الدول الأخرى مقارنة بالجولة الأولى من سياسة «أميركا أولاً» الاقتصادية؛ ما سيعزز النفوذ الأميركي ويضيف تحديات جديدة أمام شركاء التجارة.
منذ الجائحة، شهد الاقتصاد الأميركي توسعاً قوياً؛ ما زاد من ثقله في الناتج العالمي بين دول مجموعة السبع (G7). وقد أسهم هذا النمو، إلى جانب قوة الدولار، في رفع قيمة الإنتاجية الأميركية مقارنة بنظرائها.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن حصة الولايات المتحدة من الناتج الاقتصادي لمجموعة السبع هي الآن في أعلى مستوياتها منذ الثمانينيات. وعلى النقيض، يعاني الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من تباطؤ النمو، بينما تواجه ألمانيا وعدة اقتصادات أخرى انكماشاً وأعباء ديون مرتفعة.
وأوضح التقرير أن ارتفاع الدولار ساهم في زيادة حصة الولايات المتحدة في الناتج العالمي، إلا أن النمو في الإنتاجية والاستثمار المحلي مقارنة ببقية العالم كان له أيضاً دور أساسي. وقد أدت التحولات في الاقتصاد العالمي إلى جعل الولايات المتحدة، وليس الصين، الوجهة الرئيسة للاستثمار الأجنبي المباشر؛ ما وسّع نطاق تعرض الشركات الأجنبية للاقتصاد الأميركي والتغيرات في السياسات الحكومية.
ووفقاً لخبراء اقتصاديين، ساهمت قوة سوق الأسهم الأميركية في جذب تدفقات استثمارية كبيرة؛ ما عزز مكانة الولايات المتحدة كمركز اقتصادي رئيس. وأشار براد سيتسر، الزميل البارز في «مجلس العلاقات الخارجية»، إلى أن «صعوبة باقي دول العالم في توليد الطلب محلياً يزيد من احتمالية أن تسعى الدول للتوصل إلى تفاهمات مع ترامب».
تسببت السياسات التجارية الأولية لترامب في عام 2018، التي شملت فرض رسوم جمركية على الصين وبعض الحلفاء الآخرين، في تعطيل التجارة العالمية؛ ما أثر سلباً على الاقتصادات المصدرة في آسيا وأوروبا، وفق التقرير، بينما لم تؤثر بشكل واضح على الولايات المتحدة التي تعتمد بشكل أقل على الطلب الأجنبي مقارنة بشركائها التجاريين. وقد تعهد ترامب بتوسيع هذه التعريفات الجمركية في حال إعادة انتخابه، بما في ذلك فرض تعريفات بنسبة لا تقل عن 60% على الصين و10-20% على بقية الدول.
أرجع التقرير جزءاً من قوة الاقتصاد الأميركي إلى استقلاله في مجال الطاقة؛ ما يتيح له الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة، وهي ميزة بارزة مقارنة بالدول المستوردة للطاقة مثل الصين وأوروبا. وكما أوضح نيل شيرينغ، كبير الاقتصاديين في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» للأبحاث الاقتصادية في لندن، فإن الولايات المتحدة تصدر الآن أكثر مما تستورد من الطاقة، بما في ذلك ملايين البراميل من النفط شهرياً إلى الصين؛ ما يحمي اقتصادها من تقلبات أسعار الطاقة العالمية.
ويعكس النفوذ المتزايد للولايات المتحدة على اقتصاد أوروبا تعزيز قوتها الاقتصادية، حيث أدت الزيادات الأخيرة في التجارة عبر الأطلسي إلى جعل الولايات المتحدة السوق التصديرية الكبرى لأوروبا، بينما تراجعت واردات الصين من السلع الأوروبية.
كما حلّت الولايات المتحدة محل روسيا كمصدر رئيس للطاقة في أوروبا؛ ما زاد من ارتباط الاستقرار الاقتصادي الأوروبي بالوصول إلى الأسواق الأميركية. وتدير أوروبا فوائض تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة، في حين تعاني من عجز تجاري كبير مع الصين. ويرى الاقتصاديون أن هذا الاعتماد يمنح ترامب موقفاً قوياً في المفاوضات التجارية المستقبلية مع أوروبا.
وأشار تقرير حديث من معهد «إيفو» للأبحاث الاقتصادية في ألمانيا إلى أن حوالي 7% من إجمالي الإنتاج الصناعي الألماني يصدر إلى الولايات المتحدة؛ ما يبرز أهمية هذا السوق.
أثرت التغييرات في سلاسل التوريد العالمية، التي حفزتها سياسات ترامب التجارية السابقة، بشكل إيجابي على اقتصادات آسيا، حيث نقل العديد من المصنعين، بما في ذلك الشركات الصينية، عملياتهم إلى دول مثل فيتنام وكمبوديا. وقد تجاوزت صادرات جنوب شرق آسيا إلى الولايات المتحدة صادراتها إلى الصين لمدة ربعين متتاليين؛ ما يشير إلى إعادة تنظيم استراتيجية في أنماط التجارة الإقليمية.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن الرسوم الجمركية المقترحة من ترامب قد تعرض هذه المكاسب للخطر من خلال زيادة تكاليف الواردات إلى الولايات المتحدة، وهي السياسة التي يقول مستشارو ترامب إنها ضرورية لإجبار التصنيع على العودة إلى الولايات المتحدة؛ ما سيؤثر على هذه الاقتصادات الناشئة.
ويحذر الاقتصاديون من أن سياسات ترامب الجمركية قد تُطلق نوعاً جديداً من الحروب التجارية العالمية. فبينما قد تؤدي الضرائب على الواردات إلى خفض الإنتاجية بسبب زيادة التكاليف، فإن التخفيضات الضريبية المخططة قد تساهم في زيادة الإنفاق المحلي الأميركي؛ ما يعزز الواردات. كما أن هناك احتمالاً بأن ترد الدول الأخرى بفرض رسوم جمركية على السلع الأميركية؛ ما يزيد من تأثير ذلك على تدفقات التجارة العالمية.
في الوقت نفسه، أدت سوق العمل الأميركية الضيقة إلى زيادة الأجور، وهو ما يعود بالفائدة على العمال. لكن هذا قد يضغط على أصحاب العمل لرفع الأسعار؛ ما يعرضهم في المقابل للمنافسة من الأسواق الأجنبية.
وينبه بعض الخبراء من أن فرض الرسوم الجمركية على جميع الشركاء التجاريين، بدلاً من استهداف الصين فقط، قد يكون له آثار غير مسبوقة على التجارة الدولية. وقال يورغ كريمر، كبير الاقتصاديين في مصرف «كومرتس بنك» الألماني، «يمكن للعالم التعامل مع سياسة حمائية محدودة تستهدف الصين، ولكن فرض الرسوم على جميع الدول سيشير إلى عصر جديد في التجارة العالمية».