في شوارع تركيا، أصبحت أجهزة الصراف الآلي تعاني من أزمة متفاقمة، حيث تصطف طوابير طويلة من المواطنين الذين يسعون للحصول على السيولة النقدية. لكن هذه الأزمة تعكس واقعاً اقتصادياً أعمق بكثير.
التضخم المستمر وتدهور قيمة العملة المحلية دفعا الورقة النقدية الأعلى، ذات فئة 200 ليرة، لتشكل أكثر من 80% من إجمالي النقد المتداول اليوم. في عام 2010، كانت هذه الفئة تمثل 16% فقط من النقد المتداول، لكنها اليوم تعادل بالكاد 5.80 دولار أميركي، وفقاً لبيانات البنك المركزي التركي، مما يعكس بشكل صارخ التراجع الحاد في القوة الشرائية لليرة التركية.
حالياً، أصبحت الورقة النقدية من فئة 200 ليرة تكفي بالكاد لشراء كوبين من القهوة، بعدما كانت تعادل في عام 2010 ما يقارب 140 دولاراً، وهو ما يعني فقدانها نحو 98% من قيمتها بالدولار.
ووفقاً لتقرير لوكالة «بلومبرغ»، فإن آثار هذا التدهور واضحة في البازار الكبير الشهير في إسطنبول، حيث تزدحم الأزقة المحيطة بمحلات الصرافة بعربات نقل وحقائب مليئة بالأوراق النقدية التي باتت مطلوبة بكميات متزايدة للتجارة.
إضافة إلى ذلك، أفادت صحيفة «إكونومي» التركية في تقرير يوم الاثنين، نقلاً عن مصادر مصرفية، بأن بعض فروع البنوك تستهلك كميات كبيرة من النقد، ما يضطرها إلى تعبئة أجهزة الصراف الآلي ثلاث مرات يومياً. وذكر التقرير أن هذه الأجهزة قد تتوقف قريباً عن تقديم أوراق نقدية أقل من 100 ليرة.
بات إصدار أوراق نقدية ذات قيمة أكبر الحل الأفضل الذي يمكن أن يسهل العمليات داخل النظام المصرفي التركي، وذلك وفق تقرير «بلومبرغ» الذي استند إلى آراء خبراء مصرفيين.
وأوضح التقرير، أن تحديد فئة الورقة الجديدة، قد يعتمد على عوامل مثل القيمة الأصلية للدولار مقابل الورقة النقدية ذات فئة 200 ليرة عند إطلاقها، وقوتها الشرائية الحالية.
وحتى الآن لم يتعهد المسؤولون بطباعة أوراق نقدية أكبر، وقال محافظ البنك المركزي فاتح كراهان للبرلمانيين في يونيو، إن التحليلات لا تزال مستمرة بشأن هذه القضية.
وبالنسبة للأتراك، فإن هذا الوضع يعيدهم إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما أدى التضخم المزمن إلى إجبار الحكومة على شطب 6 أصفار من العملة لإنشاء ما يعرف اليوم باسم الليرة التركية الجديدة، وعلى مدار تسعينيات القرن العشرين، كانت تركيا تمتلك أوراقاً نقدية بقيمة مليون ليرة.
وقد تباطأ التضخم السنوي الشهر الماضي إلى أقل من 50%، بعد سنوات متتالية من النمو المرتفع في الأسعار الذي تجاوز 85% في عام 2022.
رغم زيادة استخدام بطاقات الدفع منذ إعادة تحديد العملة في 2005، لا تزال تركيا اقتصاداً تعتمد بشكل كبير على النقد.
ووصفت شركة تحويل الأموال «وايز» (Wise Plc) النقد بأنه «ضروري» للمدفوعات الصغيرة والأسواق والبقشيش.
وأعلن البنك المركزي التركي يوم الثلاثاء عن إصدار أوراق نقدية جديدة بفئة 50 ليرة و5 ليرات.
وفقدت الليرة التركية نحو 80% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي على مدى الخمس سنوات الماضية، حيث بلغت أدنى مستوياتها التاريخية عند أكثر من 30 ليرة للدولار في يناير الماضي.
ولا يزال التضخم مرتفعاً عند نحو 65%، وعقد محافظ البنك المركزي التركي، فاتح كاراهان، اجتماعاً للكشف عن تقرير التضخم الأخير لهذا العام ومشاركة أحدث توقعات البنك المركزي للتضخم.
وفي مراجعة كبيرة للتقديرات السابقة، قام البنك المركزي برفع توقعاته للتضخم إلى 44% لعام 2024، مقارنة بالتوقعات السابقة البالغة 38%.
كما رفع التوقعات لعام 2025 إلى 21% بدلاً من 14%، ولعام 2026 إلى 12% مقارنة بـ 9% في التقرير السابق.
وأدى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى تحديات غير متوقعة، حيث تعطلت أجهزة الصراف الآلي في جميع أنحاء البلاد تحت وطأة الأوراق النقدية المنخفضة القيمة بشكل متزايد، في وقت سابق من الشهر الماضي بحسب ما ذكرته صحيفة «تركيش مينيت» (turkishminute) التركية.
وقال الرئيس التنفيذي لبنك «فيبابانكا»، عمر ميرت، في أكتوبر، خلال مقابلة مع «بلومبرغ HT»: «هناك حاجة بنسبة 100% إلى أوراق نقدية أكبر. أجهزة الصراف الآلي تتعطل بسبب عدّ الأوراق النقدية».
وأشار إلى أن المعاملات مثل مبيعات المنازل تتسبب في قضاء موظفي البنك ساعات في عد الأوراق النقدية باستخدام الآلات، بسبب انخفاض قيمة الليرة.
وقال ميرت إن «أجهزة الصراف الآلي معطلة بسبب عد النقود»، موضحاً أن انخفاض قيمة العملة أدى إلى مشاكل في إدخال الأوراق النقدية إلى أجهزة الصراف الآلي وزيادة عبء العمل على الأجهزة، ما أدى إلى أعطال متكررة.
ورغم الطلب، قال ميرت إنه من غير المرجح أن يتم طرح فئات نقدية جديدة أكبر حجماً قريباً؛ بسبب التأخيرات التنظيمية والتشريعية.
وأضاف: «هناك حاجة بنسبة 100% لأوراق نقدية أكبر حجماً».
وفي السنوات الأخيرة، واجهت العملات المعدنية التركية أيضاً مشكلات بسبب التضخم. وبحلول عام 2021، انخفضت القيمة الاسمية للعملات المعدنية التركية إلى ما دون قيمتها القديمة، ما أدى إلى خفض وزنها من قبل دار سك العملة الحكومية في عام 2023. ومع ذلك، رفضت العديد من آلات البيع والآلات الآلية العملات المعدنية الأخف وزناً.
قبل شهرين، امتنع محافظ البنك المركزي التركي آنذاك عن تقديم إجابة واضحة بشأن إصدار أوراق نقدية جديدة بفئات 500 ليرة و1000 ليرة.
وأشار إلى وجود معايير لتحليل مدى الحاجة إلى هذه الفئات الجديدة، لكنه لم يقدم أي تأكيدات أو تصريحات قاطعة بشأن اتخاذ قرار بهذا الشأن.
في الثالث من أكتوبر، أعلن معهد الإحصاء التركي (Turk Stat) أن معدل التضخم الرسمي لأسعار المستهلك في تركيا بلغ 49% على أساس سنوي في سبتمبر، مسجلاً انخفاضاً طفيفاً عن نسبة 52% في أغسطس.
ومع ذلك، قدمت مجموعة أبحاث التضخم (ENAG)، التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها، تقديراً أعلى للتضخم عند 89% على أساس سنوي في سبتمبر، ما يعكس التأثير الفعلي للتضخم على المستهلكين.
وتواجه الشركات التركية تحديات جديدة مرتبطة بتطبيق معايير المحاسبة المفرطة للتضخم وفقاً لمعيار المحاسبة الدولي (IAS) 29.
بموجب هذه القواعد، تصبح الشركات ملزمة بتطبيق المحاسبة التضخمية إذا تجاوز مؤشر أسعار المنتجين (PPI) نسبة 100% خلال ثلاث سنوات أو 10% خلال العام الماضي.
وكان تنفيذ هذه القواعد قد تأجل سابقاً، إلا أنه سيبدأ الآن بشكل إلزامي اعتباراً من 1 يناير 2025 على البنوك، وشركات التأجير، وشركات إدارة الأصول.
كما ستنضم شركات التأمين إلى هذا الإجراء في بداية العام نفسه. وفي المقابل، ستُعفى الشركات الصغيرة التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 50 مليون ليرة تركية (حوالي 1.45 مليون دولار) من هذه القواعد خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2024.
والمحاسبة التضخمية هي نظام محاسبي يُستخدم في البيئات ذات التضخم المرتفع لتعديل القيم المالية بحيث تعكس التأثير الحقيقي لتغيرات الأسعار. يهدف إلى تقديم صورة دقيقة عن الأصول، الإيرادات، والمصروفات من خلال إعادة تقييمها باستخدام مؤشرات التضخم مثل مؤشر أسعار المستهلك أو المنتجين.