logo
اقتصاد

الدعم العيني أم النقدي في مصر.. هل حان وقت التغيير؟

الدعم العيني أم النقدي في مصر.. هل حان وقت التغيير؟
بائع خبز في وسط العاصمة المصرية القاهرة -10يوليو 2024المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:9 سبتمبر 2024, 04:05 م

مصر على مفترق طرق اقتصادية حاسمة، فبعد سنوات من تقديم الدعم العيني لملايين المواطنين، تسعى الحكومة للتحول إلى الدعم النقدي في خطوة جريئة قد تغير حياة الملايين من الأشخاص وسط ترقب لتوافق مجتمعي لدخولها حيز التنفيذ.

ومنذ تطبيق منظومة الدعم في مصر خلال منتصف العشرينيات من القرن الماضي، تبرز قضية الدعم العيني كإحدى أكثر القضايا جدلًا بين المواطنين وصناع القرار وخبراء الاقتصاد، ولكنها أصبحت الآن تقترب من مرحلة الحسم، بعد إحالتها للمناقشة داخل جلسات الحوار الوطني التي تعقدها السلطات مع القوى السياسية والمجتمعية.

وفي نهاية مايو الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي إحالة ملف التحول من الدعم العيني إلى النقدي للمناقشة داخل جلسات «الحوار الوطني»، التي تناقش القضايا التي تهم المواطن سياسيا واقتصاديا، مشيرًا إلى وجود آراء تدعم هذا التحول، خاصة أن الدعم العيني الحالي يستفيد منه نحو 63 مليون مواطن، وفق بيانات مجلس الوزراء المصري.

 

وبعد نحو 3 أشهر، حسم مدبولي في 28 أغسطس الماضي، مسألة الانتقال إلى الدعم النقدي، بقوله: «إن الحكومة قد تبدأ التحول من دعم السلع الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات المستحقة بداية من شهر يوليو المقبل، بشرط تحقيق توافق في الآراء خلال جلسات الحوار الوطني».

مواجهة الهدر والفساد

لطالما اعتبر الدعم العيني في مصر شبكة أمان اجتماعي، لكنه سرعان ما تحول إلى كابوس يهدد الاقتصاد، وفق أستاذ الاقتصاد ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري الدكتور فخري الفقي، إذ قال في تصريحات لـ «إرم بزنس»، إن الهدر والفساد كانا سيّدي الموقف، حيث استفاد من الدعم غير المستحقين، بينما عانى المستحقون من نقص السلع. هذا فضلا عن أن تكلفة الدعم الهائلة أرهقت ميزانية الدولة، مما أثر سلبًا على تقديم الخدمات الأخرى للمواطنين.

وبحسب الفقي، تراهن الحكومة المصرية على أن تحويل الدعم إلى شكل نقدي هو الحل الأمثل لهذه الأزمة، فبدلاً من توزيع السلع المدعومة، ستقوم الحكومة بتحويل مبالغ نقدية مباشرة إلى حسابات المستحقين، مما سيزيد من كفاءة الدعم، ويقلل من الهدر، ويمنح المواطنين حرية اختيار ما يحتاجونه.

ويقدر رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري الدكتور فخري الفقي، قيمة الدعم النقدي المقترح بـ 200 جنيه للفرد شهريًا (4 دولارات)، بحيث إن الأسرة المكونة من 4 أفراد سوف تحصل شهرياً على 800 جنيه (16 دولارا).

ورغم هذه المزايا، إلا أن التحول للدعم النقدي –بحسب الفقي- يواجه أيضًا تحديات عديدة، أبرزها القدرة على تحديد الفئات الأكثر استحقاقًا بدقة، وإيجاد آلية فعالة لتوزيع المساعدات النقدية. كما أن ارتفاع معدلات التضخم قد يؤثر سلبًا على قيمة الدعم النقدي، مما يستلزم مراجعة دورية لقيمته لضمان بقائها ملائمة لاحتياجات المستفيدين.

تحسين كفاءة التوزيع

أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة القاهرة الدكتور هشام إبراهيم، يرى أن التحول للدعم النقدي خطوة ضرورية لتحسين كفاءة توزيع الدعم، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها مصر، مؤكدًا في تصريحات لـ «إرم بزنس» أن الدعم العيني يعاني من مشكلات كبيرة، منها سوء الاستهداف وعدم وصول الدعم للفئات الأكثر احتياجًا بشكل فعّال، مما يجعل التحول للدعم النقدي ضرورة حتمية.

ووفق «إبراهيم»، فإن التحول من الدعم العيني إلى النقدي يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب دراسة شاملة وتحقيق توافق مجتمعي لضمان نجاحه، إذ يبقى الأمل معقودًا على مناقشات «الحوار الوطني» للخروج بتوصيات تحقق توازنًا بين الحفاظ على الدعم للفئات الأكثر احتياجًا وضمان استدامة الميزانية العامة للدولة.

وفي السادس من أغسطس الماضي، ناقش «الحوار الوطني» في اجتماعاته قضية الدعم، وقرر إجراء المناقشات على مرحلتين، الأولى تضم جلسات عامة بمشاركة متخصصين وخبراء، وممثلين لأحزاب وقوى سياسية ونقابية وأهلية تعبر عن مختلف الاتجاهات، فيما تضم المرحلة الثانية جلسات مغلقة للخروج بالقرار المناسب لمصلحة المواطن، بحسب وسائل الإعلام المحلية. 

دراسة تجارب الدول الأخرى

الخبير المالي المصري هاني توفيق، يؤكد ضرورة أن تتم دراسة تجارب الدول الأخرى التي طبقت الدعم النقدي، مثل البرازيل وإندونيسيا، للاستفادة من نجاحاتها وتجنب الأخطاء التي وقعت فيها، مشيرًا في حديث لـ «إرم بزنس» إلى أن نجاح التحول للدعم النقدي يتطلب توافر بنية تحتية تقنية قوية، خاصة فيما يتعلق بنظام المدفوعات الرقمية لضمان وصول الدعم إلى المستحقين بطرق آمنة وسريعة.

وشدد توفيق على أن التحول إلى الدعم النقدي في مصر يعتمد على عدة عوامل رئيسة، أبرزها التوافق المجتمعي حول هذا التغيير، وضمان وجود آليات تنفيذية فعالة لتحديد المستحقين وصرف الدعم بشكل سليم. 

ورغم الصعوبات التي قد تواجه عملية التحول، فإن هناك العديد من المؤشرات التي تدعم هذا التوجه، خاصة في ظل السعي لتقليص عجز الموازنة وتحقيق الكفاءة الاقتصادية، وفق الخبير المالي. 

ونوه توفيق إلى أنه من المتوقع أن يشهد "الحوار الوطني" مزيدًا من النقاشات حول هذا التحول، خاصة فيما يتعلق بكيفية ضبط قيمة الدعم النقدي لحمايته من تأثيرات التضخم، وتوفير شبكة أمان اجتماعي تكفل الحد الأدنى من المعيشة الكريمة للفئات المستحقة.

منظومة قديمة في مصر

وتعود جذور منظومة الدعم العيني في مصر إلى منتصف القرن العشرين، حيث بدأت الدولة في تقديم الدعم بهدف حماية المواطنين من تقلبات الأسعار، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والحروب التي مرت بها البلاد. 

وتمثل الدعم العيني في توفير السلع الأساسية مثل الخبز، الزيت، السكر، والأرز بأسعار مدعومة تقل بكثير عن أسعار السوق. ثم توسعت المنظومة لتشمل العديد من السلع والخدمات، وتم تطويرها لتلبية احتياجات مختلف الشرائح الاجتماعية، خاصة في ظل الزيادات السكانية المستمرة.

ومع ذلك، ترافق هذا التوسع مع تحديات كبرى، أبرزها عدم وصول الدعم بشكل فعّال إلى مستحقيه وانتشار الفساد في بعض مراحل توزيعه.

وتشكل فاتورة الدعم جزءًا كبيرًا من الموازنة العامة للدولة، حيث تتحمل الحكومة مليارات الجنيهات سنويًا لتوفير السلع الأساسية بأسعار مدعومة، إذ إنه وفق رئيس الوزراء المصري، فإن فاتورة الدعم للسنة المالية الحالية تبلغ 636 مليار جنيه (13 مليار دولار) بزيادة 20% عن السنة المالية الماضية.

وأصبحت الزيادة المستمرة في أعداد المستفيدين من الدعم، بجانب ارتفاع تكاليف السلع عالميًا، تزيد الأعباء المالية على الميزانية. وهذا الوضع دفع بالدولة لإعادة النظر في فعالية منظومة الدعم العيني وضرورة البحث عن بدائل أكثر استدامة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC