في ظل تصاعد التوترات بين كندا والصين، أعلنت بكين مؤخراً عن بدء تحقيق في مكافحة الإغراق بخصوص واردات بذور الكانولا الكندية. يأتي هذا التحرك في سياق رد فعل قوي على قرار كندا الأخير بفرض رسوم جمركية عالية على السيارات الكهربائية الصينية، بالإضافة إلى رسوم أخرى على الصلب والألمنيوم.
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو كشف عن خطط لفرض رسوم بنسبة 100% على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، ورسوم بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم. ومن المقرر أن تدخل هذه الرسوم حيز التنفيذ في الأول من أكتوبر، مما يعكس تصعيداً واضحاً في النزاع التجاري بين البلدين.
تأتي هذه الإجراءات الكندية وسط ضغوط كبيرة من قطاعات الصناعة المحلية، بما في ذلك شركات السيارات وقطاعات الصلب والألمنيوم، التي تطالب الحكومة بمضاهاة الرسوم الأميركية المفروضة في الربيع. وفي تصريحات لها، أكدت وزيرة المالية كريستيا فريلاند أن هذه الرسوم تهدف إلى مكافحة الممارسات التجارية غير العادلة التي تتبعها الصين، مشددة على أن ذلك يتيح تسعيراً غير عادل ويؤثر سلباً على البيئة وظروف العمل.
وفيما يتعلق بالتحقيق الصيني، أعلنت وزارة التجارة أنها ستتخذ كافة التدابير اللازمة لحماية مصالح الشركات الصينية. تعبر هذه الخطوة عن استياء بكين من الرسوم الكندية، وقد تعهدت برفع القضية إلى منظمة التجارة العالمية، مما يضيف المزيد من التعقيد إلى العلاقات بين الدولتين.
وتشكل الصين جزءاً كبيراً من صادرات الكانولا الكندية، حيث بلغت نسبة الصادرات نحو 75% بين يناير ويونيو من هذا العام. في هذا السياق، أكد كريس دافيسون، الرئيس التنفيذي لمجلس كانولا الكندي، أن الصين تُعد سوقاً حيويةً للكانولا، وأعرب عن ثقته بأن التحقيق سيعكس التزام كندا بالتجارة القائمة على القواعد.
التوترات بين كندا والصين ليست جديدة، فقد شهدت العلاقات التجارية بينهما تدهوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. ففي عام 2019، فرضت الصين حظراً على واردات بذور الكانولا من شركتين كنديتين رئيسيتين، بدعوى اكتشاف آفات في الشحنات. جاءت هذه الخطوة في سياق تصاعد التوترات بعد احتجاز كندا لمديرة تنفيذية لشركة «هواوي»، مما أدى إلى احتجاز كنديين في الصين.
وسط هذه الأجواء المشحونة، أكدت وزيرة التجارة الكندية ماري إنغ أن الحكومة تتابع التحقيق الصيني من كثب، وأعربت عن التزامها بحماية مصالح المزارعين والمنتجين المحليين. من جانبها، حذرت تقارير «رويال بنك أوف كندا» من أن الرسوم الكندية قد تؤدي إلى زيادة أسعار السيارات الكهربائية ورفع التكاليف على الصناعات المعتمدة على الألمنيوم والصلب.
وتسعى الحكومة الكندية أيضاً إلى تقييم التهديدات المحتملة من الواردات الصينية في مجالات أخرى، مثل البطاريات والرقائق الإلكترونية. وأشار اقتصاديون من البنك الكندي إلى أن الخطوات الكندية قد ترفع من خطر الانتقام من الصين، مما قد يهدد صادرات السلع الكندية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت رسالة مشتركة من وزيري التجارة والزراعة في مقاطعة ساسكاتشوان، سكوت مو، أن منتجي الكانولا تحملوا العبء الأكبر من التداعيات الناتجة عن الانتقام الصيني في الماضي. وقد تعرضت صادرات الكانولا لتراجع كبير تجاوز 2 مليار دولار، مما أثر بشكل ملحوظ على اقتصاد المقاطعة.
في ظل هذا التوتر المتزايد، تتجلى التحديات الكبيرة التي تواجهها كندا في سعيها لتحقيق أهدافها المناخية. إذ تسعى الحكومة إلى أن تشكل السيارات الكهربائية 60% من مبيعات السيارات الجديدة بحلول عام 2030، و100% بحلول عام 2035. لكن العقوبات التجارية الجديدة قد تعرقل هذا المسعى، حيث لا تزال العديد من قدرات الإنتاج في كندا غير مفعلة، مما يزيد من اعتمادها على سلاسل الإمداد العالمية.
مع دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، يبقى السؤال معلقاً حول كيفية تأثير هذه التحركات على العلاقات التجارية بين كندا والصين، وما إذا كانت ستؤدي إلى تصعيد آخر في النزاع، أو ستسفر عن حوار بنّاء قد يخفف حدة التوترات الحالية.