كشفت الحكومة السويدية، ولأول مرة بتاريخها، عن قرار بمنح 350 ألف «كرون» سويدي، تعادل 34 ألف دولار، لكل مهاجر يوافق على العودة الطوعية إلى بلده، ويتنازل عن إقامته الشرعية فيها وجنسيتها التي سبق وحصل عليها.
وفقاً لموقع «فورتشن»، القرار المنوي تنفيذه بدءاً من أول يناير 2026 لأي مهاجر، جاء بتوجيه من حزب «الديمقراطيين السويديين» المعادي للهجرة. بدوره، أعلن وزير الهجرة السويدي الجديد، جوهان فورسيل، في مؤتمر صحافي عن القرار بالاشتراك مع ممثلي أحزاب «تيدو»، وفيه تم الإعلان عن خطة برنامج «دعم العودة الطوعية للمهاجرين» الذي يسمح كذلك لمن جاءوا إلى السويد عن طريق لم الشمل الحصول على دعم العودة، حيث يتقاضى كل فرد من العائلة المبلغ نفسه.
يبلغ التعويض الحالي للمهاجر الذي يتخلى عن إقامته أو جنسيته ويغادر البلد، 10 آلاف «كرونة» للبالغ (970 دولاراً) و5 آلاف للقاصر، بشرط ألا يزيد عن 40 ألف «كرونة» لكل عائلة، مهما كان عدد أفرادها.
من جانبه وعد رئيس الوزراء المحافظ أولف كريستيرسون بعد وصوله في 2022 إلى السلطة بمكافحة الهجرة والجريمة عبر حكومة ائتلافية مدعومة من «الديمقراطيين السويديين» الذين ظهروا كثاني أكبر حزب في السويد بنسبة 20.5% في الانتخابات العامة، وحان الوقت الآن ليفي بوعده.
وتشير إحصاءات رسمية أصدرها «المركز الوطني السويدي» (SCB) إلى أن عدد المهاجرين في السويد وصل حتى العام الماضي إلى 2.76 مليون تقريباً، أي 28% من عدد السكان، أكثرهم من السوريين البالغين 244 ألفاً، يليهم العراقيون، وعددهم 195 ألفاً.
كانت السويد لسنوات تُعرف بأنها «قوة إنسانية عظمى»، حيث قدمت اللجوء لآلاف الفارين من النزاعات والاضطهاد، ومنذ التسعينيات، قبلت السويد أعداداً كبيرة من المهاجرين من بلدان مزقتها الحروب، مثل سوريا وأفغانستان والصومال ويوغوسلافيا السابقة. وبلغت سياسات الباب المفتوح ذروتها في عام 2015، خلال أزمة الهجرة في أوروبا، حيث استقبلت السويد 160,000 طالب لجوء، وهو أعلى معدل للفرد في الاتحاد الأوروبي.
وأثبتت عملية دمج هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين صعوبتها، حيث ارتفعت معدلات البطالة بين المهاجرين، ولاسيما من خارج الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى ضغط على نظام الرعاية الاجتماعية السخي في البلاد. ويعتمد العديد من القادمين الجدد على المساعدات الحكومية، بسبب البطالة طويلة الأمد أو الدخل المنخفض، مما يزيد التفاوتات في الثروة داخل البلاد.
منذ توليها السلطة في عام 2022، جعلت حكومة كريسترسون الحد من الهجرة أولوية قصوى، حيث اقترحت الإدارة سلسلة من الإجراءات تهدف إلى تقليص الهجرة ومعالجة الجريمة، كما سعت إلى تقييد الامتيازات الاجتماعية السخية التي كانت السويد تقدمها تقليدياً للمهاجرين.
وتجدر الإشارة إلى أن دولاً أوروبية أخرى تقدم «إعانات مالية» كحافز لعودة المهاجر، وكان أكبرها الدنمارك التي تدفع أكثر من 15 ألف دولار للشخص الواحد، ثم 2800 في فرنسا و2000 في ألمانيا و1400 في النرويج.
يأتي تحول السويد في سياستها المتعلقة بالهجرة في وقت تحاول فيه البلاد التعامل مع العواقب طويلة الأمد لنهجها المتساهل في العقود السابقة. ونفذت الحكومة بالفعل عدة إجراءات تهدف إلى تقليل الهجرة، بما في ذلك إصدار تصاريح إقامة مؤقتة لطالبي اللجوء، وتشديد متطلبات لم شمل العائلات، ورفع متطلبات الدخل لتأشيرات العمل.
وكذلك تسعى حكومة كريسترسون إلى تمرير تشريعات تجعل من الأسهل ترحيل المهاجرين لأسباب مثل تعاطي المخدرات، أو الانتماء إلى مجموعات إجرامية، أو القيام بأعمال تتعارض مع القيم السويدية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه السويد إعادة النظر في نهجها تجاه الهجرة، يمثل الحافز المالي المقترح للعودة الطوعية جهداً واضحاً لتقليص عدد السكان المهاجرين على المدى الطويل وتخفيف الضغط على نظام الرعاية الاجتماعية، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المبادرة ستحقق الأهداف المرجوة منها، مما يعكس عزم الحكومة على معالجة ما تعده من أكبر التحديات التي تواجه البلاد.