منذ بداية عام 2025، أصبح اتجاه السوق الأميركية أشبه بلعبة للأعصاب، يتبدّل مزاج المستثمرين فيها مع كل صدور لمؤشر اقتصادي، وتُعاد صياغة المشهد المالي بالكامل كلما صدرت بيانات جديدة عن التضخم أو الوظائف.
وفي قلب هذا التقلّب، تبرز سندات الخزانة الأميركية كمرآة تعكس هشاشة التعافي، وثقل العجز المالي.
تقرير صادر عن شركة «ويزدوم تري» لإدارة الأصول (WisdomTree)، بعنوان «توقعات الاقتصاد والأسواق لعام 2025 – ما بعد يوم التحرير» (2025 Economic & Market Outlook – The Post-Liberation Day View)، يرصد التحولات الحادة التي شهدتها السوق الأميركية بعد ما وصفه التقرير بـ«يوم التحرير»، في إشارة إلى التحوّلات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى التي أطاحت بمسارات السوق المعتادة.
بحسب التقرير، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بشكل حاد مع بداية العام، بعد موجة شراء كبيرة من المستثمرين الهاربين من تقلبات سوق الأسهم. لكن هذه الموجة لم تدم طويلاً، إذ تحوّل المزاج سريعاً، وعادت عمليات البيع لتطغى على السوق وسط شكوك بشأن استمرار الطلب، وتقلص الثقة بالاستثمار في أدوات الدين الحكومية.
ورغم الانخفاض النسبي في العوائد، يشير التقرير إلى عدم وصول السوق بعد إلى مستويات تعكس فعلياً حدوث «هبوط اقتصادي قاسٍ»، وهو ما قد يتطلب انخفاضاً إضافياً في العائد إلى ما دون 3.5%، مقابل المستويات الحالية التي بدأت تقترب مجدداً من حاجز 4.5%.
تؤكد «ويزدوم تري» أن الاتجاه المستقبلي لعوائد السندات سيكون «تابعاً للبيانات» أكثر من أي وقت مضى، ما يعني أن كل تقرير وظائف أو مؤشر تضخم قادر على قلب الاتجاه خلال ساعات.
وهو ما يجعل السوق عُرضة لحالة من اللايقين المزمن، وتدفع المستثمرين إلى الحذر وتقصير المدى الزمني لاستثماراتهم.
كما يحذّر التقرير من أن عودة الحديث عن العجز المالي الأميركي في الربع الثاني والثالث من العام، قد تُعيد تسليط الضوء على هشاشة الأسس التي تقوم عليها سوق الدخل الثابت، خاصة في ظل التراخي في معالجة ملف السياسة المالية من قبل الكونغرس والإدارة الأميركية.
بالتوازي مع هذه التطورات، اتّسعت هوامش سندات الشركات ذات التصنيف العالي والمنخفض على حد سواء، بعدما كانت عند مستويات تاريخية ضيقة مطلع العام، الأمر الذي دفع الشركات إلى اتخاذ موقف «محايد» من السندات عالية المخاطر، والتركيز على الجودة في اختيار أدوات الدين.
ورغم هذا الاتساع في الهوامش، يشير التقرير إلى أن الفرص لم تنته بعد، بل باتت أكثر وضوحاً في قطاعات مثل الديون المُهيكلة (Securitized Debt)، حيث ترى «ويزدوم تري» أن التقييمات باتت جاذبة نسبياً، مع احتمال تراجع حدة التقلبات في النصف الثاني من 2025.
خلاصة ما ترسمه «ويزدوم تري» هو أن سوق السندات الأميركية تمر بمرحلة انتقالية حساسة، لم تعد تُدار فقط بالمعادلات الاقتصادية، بل بتقلبات المشاعر وثقل العناوين.
وبينما تبدو السندات في بعض لحظاتها ملاذاً آمناً، تُثبت البيانات أن هذا الأمان لا يمكن اعتباره طويل الأمد ما لم تُحسم ملفات الفائدة والعجز والنمو.