بعد نحو 3 عقود من التراجع والركود بسبب التحولات السياسية والاقتصادية، يتحرك العراق نحو استعادة أمجاده الصناعية، مستهدفاً إعادة إحياء قطاع كان يوماً ما من ركائز الاقتصاد الوطني.
وتعمل الحكومة العراقية حالياً على تنفيذ عدة إجراءات لإعادة النهوض بالقطاع الصناعي، باعتباره مفتاحاً لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، وتشمل هذه الإجراءات، الإصلاحات التشريعية، والتوسع في تمويل المشاريع الصناعية، وإعفاء الصناعيين من دفع بدلات الإيجار خلال مرحلة تأسيس المشروع خلال أول عامين.
وتستهدف هذه الخطوات إنعاش الصناعة المحلية وتحفيز النمو الاقتصادي الذي يتوقع أن ينمو بنسبة 1.4% خلال العام الماضي، و5.3% في العام 2025، وفق تقديرات سابقة لصندوق النقد الدولي.
بحسب عضو اتحاد الصناعات العراقي عبدالمحسن الزيادي، كان العراق يمتلك قاعدة صناعية قوية ومتقدمة في مجال الصناعات الثقيلة، وحقق خلالها تطوراً ملحوظاً، ولكنه بعد عام 2003 بدأ القطاع الصناعي يتعرض لإهمال كبير؛ ما أدى إلى تراجع قوي في مستوى الإنتاج وتوقف العديد من المصانع.
ويمتلك العراق نحو 1200 مصنع بين متوسط وكبير، بينما يبلغ عدد المصانع المملوكة للقطاع العام نحو 227 مصنعاً، ولا يتجاوز عدد المصانع النشطة منها 140 مصنعاً فقط، وفق إعلام محلي.
كما تأثر هذا القطاع خلال العقود الماضية، بسبب الحصار الذي فرض على العراق، ومع تغيير النظام السياسي في عام 2003، تفاقمت المعاناة لافتقار الحكومات المتعاقبة للخبرات الكافية، وفق حديث الزيادي مع «إرم بزنس».
ومع ذلك، يرى عضو اتحاد الصناعات، أن الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني بدأت تُولِي اهتماماً لهذا القطاع باعتباره ركيزة أساسية لدفع النمو الاقتصادي في البلاد، وزيادة الإنتاج وخلق المزيد من فرص العمل.
وارتفعت معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بشكل غير مسبوق خلال العام 2024، إلى 65%، وفق تصريحات المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، نقلتها وكالة الأنباء العراقية مطلع الشهر الماضي.
وخلال السنوات الأخيرة، يؤكد الزيادي أنه تم تفعيل بعض التشريعات التي انعكست إيجابياً على الصناعة، مثل قوانين حماية المنتج المحلي وحماية المستهلك، وفرض ضرائب على البضائع المستوردة، بالإضافة إلى منع استيراد بعض المنتجات، مثل: حديد التسليح والأسمنت والمواد الأخرى التي يتم إنتاجها محلياً.
بدوره، يوضح الباحث الاقتصادي في مركز «رووداو» للدراسات محمود بابان، أن اعتماد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على قطاع النفط، الذي يمثل نحو 90% من إجمالي الإيرادات الحكومية، كان سبباً في إضعاف القطاعات الإنتاجية الأخرى، ومنها القطاع الصناعي.
ومع ذلك، يشير بابان خلال حديثه مع «إرم بزنس» إلى أن الحكومة العراقية بدأت تدرك أهمية تنويع مصادر الدخل لضمان نمو اقتصادي مستدام وتقليل الاعتماد على النفط، مع التركيز على خلق فرص عمل جديدة في القطاعات غير النفطية ومنها الصناعة.
وتظهر بيانات وزارة التخطيط العراقية، ارتفاع مساهمة القطاع الصناعي إلى نحو 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي بعدما كانت أقل من 2%.
ويتوقع بابان أن يشهد هذا القطاع انتعاشاً خلال الفترة القادمة، بدعم من التوسع في تمويل القطاع الصناعي، وإعفاء المشاريع الجديدة من بدلات الإيجار خلال أول عامين من مرحلة التأسيس، بالإضافة إلى اعتزام الحكومة ضخ 100 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية والصناعية.
ومنذ عام 2016 وحتى الآن قام المركزي العراقي بتمويل مشاريع بنحو 13 تريليون دينار (9.9 مليار دولار)؛ ما أسهم في ديمومة عجلة الاقتصاد، فضلاً عن تخصيص 1 تريليون دينار لتشجيع المواطنين والشركات على شراء وحدات الطاقة الشمسية.
ويستعد العراق لطرح مجموعة واسعة من المشروعات الكبرى وتدشين مدن صناعية وزراعية بهدف جذب استثمارات بقيمة تصل إلى 250 مليار دولار خلال العامين المقبلين، وفق رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار حيدر مكية.
وكان رئيس الوزراء العراقي، أعلن أكتوبر الماضي، أن حجم الاستثمارات المتدفقة إلى البلاد بلغ خلال العام الماضي نحو 100 مليار دولار، بينما لم يكن يتجاوز ذلك الرقم 35 مليار دولار حتى نهاية العام 2022.
من جانبه، يؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة بغداد همام الشماع، أهمية إعادة تنشيط الصناعة المحلية والنهوض بها لتعزيز الاقتصاد العراقي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد الذي وصلته فاتورته نحو 65 مليار دولار؛ ما يسهم في خفض خروج العملة الصعبة إلى الخارج.
ويضيف الشماع خلال حديثه مع «إرم بزنس» أن الاستمرار في الاعتماد على الاستيراد، إلى جانب الاعتماد شبه الكامل على عائدات النفط لتمويل موازنة الدولة، يشكل خطراً على الاقتصاد.
لذلك، من الضروري بناء صناعة وطنية قوية توفر مصدراً أساسياً لدعم خزينة الدولة، بما يسهم في تنويع الإيرادات وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وفق الشماع.