بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، تواجه البلاد التي عانت 14 عاماً من الحرب تحديات اقتصادية ومالية هائلة في طريقها إلى التعافي.
وفقاً لتقديرات البنك الدولي، تراجع الاقتصاد السوري، في العام 2023، إلى المركز 129 في تصنيف الدول، حيث خسر 85% ليصل إلى 9 مليارات دولار فقط.
وأثرت سنوات الحرب الطويلة، والعقوبات الدولية، وهجرة 4.82 مليون من سكان البلاد، بشكل كبير على ما أصبح بالفعل أحد أفقر البلدان في الشرق الأوسط، وفقاً لتقرير نشره موقع «دويتشه فيله» الألمانية.
كان ثمن الحرب مروعاً، إذ فقدت سوريا أكثر من 500,000 شخص من مواطنيها، وتشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، إلى جانب تحطم البنية التحتية، كما تم تدمير مدن كاملة مثل حلب وحمص، ما أدى إلى انهيار الاقتصاد بشكل كامل.
وأشار تقرير إلى انكماش اقتصاد سوريا بنسبة 85% خلال نحو 14 عاماً من الحرب، في حين بقيت البطالة عند مستويات غير مسبوقة. والآن، بعد سقوط نظام الأسد، تواجه سوريا مهمة ضخمة في إعادة الإعمار والتعافي الاجتماعي والاقتصادي.
بدأ المشهد الاجتماعي والاقتصادي السوري في التغير، مدفوعاً بكل من الضرورة والفرص. فاقتصاد سوريا في حالة فوضى شديدة، إذ تم تدمير الزراعة، التي كانت يوماً من أهم الركائز الاقتصادية، في حين أن القطاعات الصناعية وقطاع الطاقة لا يزالان شبه معطلين.
ومع تفاقم الأزمة نتيجة للعقوبات الدولية، فإن التجارة والاستثمار الأجنبي قد تأثرا بشكل كبير. ومع ذلك، تظهر اقتصادات محلية صغيرة في المناطق التي تأثرت بشكل أقل بالنزاع، حيث يعيد السوريون بناء الأسواق، ويحيون الحرف التقليدية، ويعتمدون على الشبكات غير الرسمية للحفاظ على سبل العيش.
لكن التحدي يكمن في توسيع هذه الجهود دون وجود سياسات وطنية شاملة أو مساعدات دولية كبيرة. وقد أشار «المركز السوري للبحوث السياسية» في تقرير نشر في يونيو إلى أن أكثر من نصف السوريين يعيشون في فقر مدقع، غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
تواجه سوريا تحديات كبيرة في عملية إعادة البناء. وفي هذا السياق، قدم العديد من المغتربين السوريين في الإمارات حلولاً عملية لمعالجة هذه التحديات.
كما تواجه البلاد، حالياً، فقراً مدقعاً ومعدل بطالة مرتفعاً، حيث أشار بدور إلى أن العديد من القطاعات الاقتصادية، مثل المصانع، قد تتوقف عن العمل بسبب عدم قدرتها على المنافسة مع السلع المستوردة التي تدخل السوق السوري، بالإضافة إلى التضخم المفرط الناتج عن عدم استقرار سعر الصرف، مما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين.
علاوة على ذلك، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا والتي لا تزال قائمة، إلى جانب تجميد الأموال السورية في الخارج، تجعل عملية إعادة الإعمار والتنمية أكثر صعوبة.
أسامة عجة رائد الأعمال في صناعة الرعاية الصحية، ومؤسس استوديو اللياقة البدنية «ميوز إي إم إس» (Muse EMS)، قال إن أحد التحديات الرئيسة التي يواجهها الشعب السوري التقلبات العالية للعملة، والضرائب القاسية وغير المعقولة، والعقوبات الغربية التي تؤثر في جميع جوانب الاقتصاد، لا سيما بعد قانون «قيصر» من الولايات المتحدة، إضافة إلى الحظر الشديد على الواردات للكثير من السلع الأساسية وقنوات الدفع.
وأضاف: «نأمل، حالياً، أن يتم رفع هذه الحواجز تدريجياً قريباً، سواء داخلياً من خلال الإدارة الجديدة عبر السياسات الحكومية أو خارجياً من خلال بناء علاقات قوية مع جميع الدول لمساعدة على رفع العقوبات ومساعدة السوريين في الحصول على اقتصاد حر. القطاعات التي ستلعب أدواراً رئيسة في الفترة المقبلة تشمل الطاقة، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، والزراعة، والتجارة. كما ستكون هناك خطط رؤية طويلة المدى لأعمال أكثر نضجاً، مثل: التصنيع، والسياحة، والخدمات المصرفية والمالية، وخدمات تكنولوجيا المعلومات والشركات الناشئة».
رجل الأعمال السوري المقيم في دبي، عادل الصمدي، الذي حاول تأسيس عمل تجاري في سوريا، شارك تجربته قائلاً: «في السابق، حاولت إقامة مشروع تجاري في سوريا، قضيت هناك 3 أشهر. ومع ذلك، كانت التحديات هائلة وميزانيتي للتأسيس تضاعفت تقريباً من 30 مليون دولار إلى 65 مليون دولار، بسبب تقلبات سعر صرف الليرة السورية، والفساد المستشري».
وأضاف: «حالياً، السوق عطشى جداً. إذا تم العمل بالطريقة الصحيحة، يمكن الاستفادة من كل قطاع، سواء كان سيارات أو غذاء أو نسيجاً. ومع ذلك، تحتاج سوريا إلى أن تصبح اقتصاداً غربياً مع تجارة حرة لبناء الثقة الاقتصادية والمالية بين رواد الأعمال الجدد الذين يسعون لإقامة أعمال هناك».
تواجه إعادة إعمار سوريا تحديات سياسية معقدة، إذ تبقى بعض الدول مترددة في تقديم مساعدات كبيرة دون تحقيق إصلاحات سياسية. من جانب آخر، تفتقر روسيا وإيران، حليفا الأسد الرئيسان، إلى الموارد الكافية لتمويل جهود إعادة الإعمار على نطاق واسع. وبينما يشكل اهتمام الصين بسوريا من خلال مبادرتها «الحزام والطريق» فرصة للاستثمار، إلا أن ذلك يرتبط بشروط جيوسياسية. ولتحقيق التقدم، يتعين على سوريا التنقل بين هذه المصالح المتنافسة لضمان الحصول على التمويل والخبرة الضرورية لإعادة الإعمار.
وأشار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، إلى أن سوريا تواجه فترة «مخاطرة وعدم يقين»، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستقدم المساعدة حيثما أمكن. وقال: «سنتعاون مع جميع المجموعات السورية، بما في ذلك ضمن العملية التي تقودها الأمم المتحدة، لإقامة انتقال بعيد عن نظام الأسد نحو سوريا مستقلة وذات سيادة مع دستور جديد».
من جهة أخرى، قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في منشور عبر شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة به «تروث سوشال» الأحد، إنه على واشنطن «ألا تتدخل».
رغم الواقع الصعب، تمتلك سوريا إمكانيات غير مستغلة يمكن أن تمثل فرصاً للتحول، فموقعها الإستراتيجي باعتبارها بوابة بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط يجعلها مرشحاً محتملاً لتكون مركزاً للتجارة والنقل. كما أن التراث الثقافي الغني للبلاد، من الآثار القديمة في تدمر إلى الحرف التقليدية، يقدم فرصاً كبيرة للسياحة وإحياء الثقافة بمجرد استعادة الاستقرار.
بفضل مساحاتها الواسعة المشمسة، تمتلك سوريا إمكانيات كبيرة لتصبح رائدة في مجال الطاقة المتجددة. ويمكن لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أن تسهم في حل مشكلة نقص الكهرباء المزمن، كما أنها تتيح فرصاً لإيجاد وظائف جديدة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
يمكن لإعادة بناء قطاع الزراعة في سوريا أن توفر الأمن الغذائي وفرص عمل للملايين. ومن خلال تحديث نظم الري، وتطبيق ممارسات الزراعة المستدامة، والاستفادة من الخبرات الدولية، يمكن تحويل الزراعة إلى أحد الأعمدة الرئيسة للانتعاش الاقتصادي.
كما يمثل الشتات السوري، الذي يضم المهنيين ورواد الأعمال والأكاديميين المهرة، مصدراً كبيراً للفرص. بالتالي، فإن تشجيع عودتهم أو دعم استثماراتهم في المشاريع السورية يمكن أن يساهم ذلك بشكل كبير في تسريع عمليات إعادة الإعمار، وتعزيز الابتكار.
إن الطريق إلى التعافي طويل، ويواجه العديد من التحديات، إذ يبقى الفساد، الذي ترسخ في نظام الأسد، عقبة رئيسة أمام الحوكمة الفعالة والتوزيع العادل للموارد. كما أن العقوبات الدولية، التي كانت تهدف إلى ممارسة الضغط على الأسد، غالباً ما تزيد من معاناة المواطنين السوريين العاديين. علاوة على ذلك، فإن الندوب النفسية الناتجة عن الحرب، مثل الصدمة، وفقدان الثقة، وخيبة الأمل، ستستغرق أجيالاً للشفاء.