مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، ظنَّ ملايين السوريين أن أبواب العودة قد فُتحت، لكن الواقع كان أشد تعقيداً. فرغم انتهاء عقود من الحكم، لم تتغير المعادلة كثيراً، إذ لا تزال العقبات الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية تحول دون عودة معظم اللاجئين.
فهل يمكن أن تتغير الظروف قريباً؟
رغم التغيير السياسي، لا تزال سوريا تعاني أزمة اقتصادية خانقة. ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، بينما يعتمد 70% منهم على المساعدات الإنسانية للبقاء. خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية شبه معطلة، ما يجعل إعادة الإعمار والعودة أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
العقوبات الدولية المفروضة على سوريا لم تُرفع بالكامل، ورغم بعض الجهود لإعادة تنشيط الاقتصاد، فإن تجميد المساعدات الخارجية، خاصة الأميركية منها، تسبب في توقف 90% من برامج الإغاثة في بعض المناطق، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). كما أن سوق العمل يعاني ركوداً شديداً، حيث تنحصر فرص العمل في القطاعات غير الرسمية وذات الأجور المتدنية، مما يجعل العودة دون ضمانات معيشية مخاطرة كبيرة.
إلى جانب الأزمة الاقتصادية، تشكل التكاليف المالية للعودة عائقاً إضافياً. عبور الحدود وحده قد يكلف أسرة سورية مكونة من 11 فرداً في مخيم الزعتري بالأردن نحو 550 دولاراً، بينما تتطلب إعادة بناء المنزل ما لا يقل عن 5000 دولار، وفقاً لتقديرات تقرير صادر عن منصة «ذا كونفرزيشن».
إضافة إلى ذلك، استثمر كثير من اللاجئين في تحسين ظروفهم المعيشية في دول اللجوء. ففي الأردن، أنفق اللاجئون أموالهم على تجهيز مساكنهم داخل المخيمات، لكنها تبقى ملكاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مما يمنعهم من بيعها أو الاستفادة منها لتمويل العودة.
وفي تركيا ولبنان، يواجه السوريون تحديات قانونية، حيث يعاني العديد منهم من نقص وثائق الإقامة، ما يدفعهم إلى العمل في ظروف غير مستقرة، لكنه لا يزال خيارًا أفضل من العودة إلى المجهول.
في السنوات الأخيرة، تقلصت المساعدات الدولية الموجهة للاجئين السوريين بشكل كبير. في الأردن، حيث يقيم 1.3 مليون لاجئ، يعتمد 80% منهم على المساعدات للبقاء، لكن هذه المساعدات تتضاءل تدريجياً. أما في تركيا، حيث يتجاوز عدد اللاجئين 3 ملايين، فهناك تضييق قانوني يحد من حصول السوريين على فرص عمل رسمية. وفي لبنان، تعيش نسبة كبيرة من اللاجئين بدون إقامة قانونية، في ظل تصاعد المشاعر المناهضة لهم، مما دفع السلطات إلى فرض قيود صارمة وعمليات ترحيل قسرية.
رغم أن بعض المناطق السورية شهدت استقراراً نسبياً عقب الاتفاقات بين «قوات سوريا الديمقراطية» والحكومة المؤقتة في دمشق، لا تزال المخاطر الأمنية كبيرة. فالميليشيات المدعومة من إيران تواصل نشاطها، بينما تستمر الغارات الإسرائيلية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني. كما يخشى كثير من اللاجئين العائدين التعرض لأعمال انتقامية؛ بسبب انتماءاتهم السياسية السابقة.
التعليم أحد العوامل الحاسمة في قرار العودة. فالأطفال الذين نشأوا وتعلموا في دول اللجوء يواجهون صعوبة في التأقلم مع نظام تعليمي جديد في سوريا. ففي تركيا، على سبيل المثال، أصبح كثير من الطلاب السوريين يجيدون التركية، مما يجعل العودة إلى نظام التعليم العربي تحدياً كبيراً. أما على المستوى المهني، فالمهندسون والأطباء وأصحاب الأعمال يجدون صعوبة في العودة إلى بيئة اقتصادية غير مستقرة، حيث لا تزال البنية الصناعية والتجارية مدمرة إلى حد كبير.
مع مرور الوقت، بدأت آمال اللاجئين في العودة تتراجع. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي توقعت في البداية عودة مليون لاجئ بحلول منتصف 2025، خفضت تقديراتها إلى 600 ألف فقط، حيث ينتظر الكثيرون إصلاحات اقتصادية وأمنية حقيقية قبل أن يفكروا في العودة.
ورغم انتهاء عهد الأسد، يبدو أن العودة إلى الوطن لا تزال حلماً بعيد المنال بالنسبة لملايين السوريين، حيث تظل العوامل الاقتصادية والأمنية أكبر العقبات التي تقف في طريقهم.
فهل ستتمكن الحكومة المؤقتة من تحقيق الاستقرار المطلوب، أم أن الأزمة السورية ستستمر في حبس اللاجئين بين واقعهم الصعب في المهجر والمجهول الذي ينتظرهم في الوطن؟