وفي العام المقبل، تخطط الحكومة لزيادة الإنفاق العسكري بشكل أكبر، وسوف ترتفع النفقات بأكثر من الثلثين لتصل إلى مستوى قياسي يتجاوز 100 مليار دولار، وفقاً لبيانات وزارة المالية الروسية. وسوف يحوم الإنفاق العسكري عند أكثر من ضعف مستويات ما قبل الحرب، حتى عام 2026 على الأقل، وهو الأفق الحالي لتخطيط الميزانية.
وراهن بوتين على المدى الطويل، على أن تركيز الاقتصاد بشكل أكثر مباشرة على الحرب، سيسمح لروسيا بالصمود في وجه صراع طويل الأمد، بشكل أفضل من كييف وداعميها الغربيين.
وغالباً ما يتم حسم الحروب عبر التاريخ، على الرغم من خوضها في ساحة المعركة، بناءً على الجانب الذي يمكنه حشد الأموال والمواد على المدى الطويل. وتزايدت الشكوك حول الدعم المالي لأوكرانيا مؤخراً، حيث لم يتضمن اتفاق ميزانية الكونغرس تمويلاً جديداً.
ومؤخراً وفي تصريحات منه حول الاقتصاد، وجه بوتين بإعداد "الأمة" للتحول في الإنتاج، وفي معرض حديثه عن الإنتاج العسكري، قال: "إننا نزيد الإنتاج عدة مرات، ليس بنسبة معينة، بل عدة مرات".
وساهمت عسكرة الاقتصاد في دعم الإنتاج الصناعي، وتوفير فرص العمل، وساعدت في رفع الأجور. ويقول الاقتصاديون إن النمو الذي تولده، إلى جانب الإيرادات الوفيرة من ارتفاع أسعار النفط العالمية، يعني أن موسكو يمكنها الاستمرار في تمويل الحرب في الوقت الحالي.
وفي الوقت نفسه، أدت النفقات الدفاعية المتزايدة إلى تفاقم الاختلالات، إذ تعاني البلاد من ارتفاع في التضخم ونقص في العمالة، ويقول الاقتصاديون إن الإنفاق العسكري لن يفعل الكثير لرفع الإنتاجية على المدى الطويل.
وستحتاج الحكومة أيضاً إلى اقتراض المزيد، لتغطية فاتورة الحرب المتزايدة. ويعمل الإنفاق العسكري المرتفع على تحويل الموارد بعيداً عن مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية، والتي تعتبر ضرورية للنمو على المدى الطويل.
وقال فاسيلي أستروف، الخبير الاقتصادي في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية: "كلما طالت الحرب، أصبح الاقتصاد أكثر إدماناً على الإنفاق العسكري، مما يزيد من خطر الركود أو حتى الأزمة الصريحة بمجرد انتهاء الصراع".
ولم يستجب المتحدث باسم الكرملين على الفور لطلب التعليق.
وتعد البصمة المتنامية للحرب في الاقتصاد الروسي، علامة على أن الكرملين يتوقع أنها لن تنتهي قريباً. ولم تظهر كل من كييف وموسكو سوى القليل من الاستعداد للتفاوض، ولم يسفر الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا هذا العام، إلا عن تقدم مؤقت.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية في وقت سابق من هذا الشهر، إن أرقام الميزانية الروسية تشير إلى أن "روسيا تستعد لعدة سنوات أخرى من القتال في أوكرانيا". "من المحتمل جداً أن تتمكن روسيا من دعم هذا المستوى من الإنفاق الدفاعي حتى عام 2024، ولكن فقط على حساب الاقتصاد الأوسع".
ودافع بوتين عن فورة الإنفاق العسكري، قائلاً إنه يتم الوفاء بجميع الالتزامات الاجتماعية.
وأضاف: "القول بأننا ننفق الكثير من المال على الأسلحة وننسى أمر السلع الاجتماعية ليس صحيحاً".
ووفقاً لبيانات وزارة المالية، فإن الإنفاق العسكري الروسي في العام المقبل، سيكون ثلاثة أضعاف ما تخطط الدولة لإنفاقه على الرعاية الصحية والتعليم وحماية البيئة مجتمعة.
ومع تحول الحرب نحو الاقتصاد، فإن كبار المسؤولين الماليين في روسيا، الذين بذلوا قصارى جهدهم في العام الماضي، لعدم ذكر الصراع كعامل في التخطيط الاقتصادي، يسلطون الآن الضوء علانية على مركزية الحرب.
وقال وزير المالية أنطون سيلوانوف عن الميزانية "نحن بحاجة إلى هذه الأموال لحل المهمة الأكثر أهمية: ضمان النصر".
وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الإنفاق على فئة الميزانية التي وصفتها الوزارة بالدفاع الوطني، سينمو إلى 6% العام المقبل، من حوالي 3.9% هذا العام، وفقاً لبيانات الوزارة. وقال الاقتصاديون الذين يتابعون البيانات، إن ذلك سيكون أعلى مستوى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
وتتوقع الميزانية أن ترتفع تكاليف خدمة الدين الحكومي إلى 3.3 تريليون روبل، أي ما يعادل 33 مليار دولار، بحلول عام 2026، من 1.5 تريليون روبل الآن.
ويقول اقتصاديون إن ازدهار الإنفاق العسكري، في الوقت نفسه، يغذي التضخم المرتفع بالفعل في روسيا.
وقال سيرجي جورييف، الأستاذ في جامعة ساينس بو في باريس والمستشار السابق للحكومة الروسية: "بينما يزاحم الإنتاج العسكري الإنتاج المدني، ينخفض المعروض من السلع والخدمات المدنية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار".
وقال بوتين إن المصانع تعمل في عدة نوبات لتنفيذ الأوامر العسكرية. وتظهر البيانات أن القطاعات الصناعية المرتبطة بالإنتاج العسكري تنمو بمعدلات تزيد على 10%، بينما يعاني إنتاج بعض السلع المدنية من الركود أو الانخفاض.
وكان النمو الاقتصادي نشطاً بشكل خاص في المراكز الصناعية العسكرية التقليدية، مثل مناطق سفيردلوفسك وتشيليابينسك وكورغان وجمهورية الأدمرت، وفقًا لتحليل أجراه معهد بنك فنلندا للاقتصادات الناشئة، الذي قال إن نشاط قطاع البناء قوي بشكل خاص في المناطق الروسية المتاخمة لأوكرانيا، حيث يقوم الجيش ببناء التحصينات وإجراء الإصلاحات، بعد الضربات الأوكرانية على السكك الحديدية وغيرها من البنية التحتية.
وفي تامبوف، وهي مدينة جنوب موسكو، تحول أحد المخابز إلى تصنيع طائرات بدون طيار للجيش.
ويقوم الموظفون في مخبز تامبوفسكي بتجميع الإطارات الكربونية والهوائيات وحاملات الكاميرات، باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد لتصنيع بعض الأجزاء. ثم يقومون بعد ذلك بتغليف المروحيات الرباعية في حقائب ظهر مموهة لإرسالها إلى القوات في المقدمة، وفقاً لمنشورات الشركة على شبكة التواصل الاجتماعي الروسية VK. ولم تستجب الشركة لطلب التعليق.
وفي الشهر الماضي، اختبر المصنع مجموعة جديدة من طائرات بدون طيار. وقال ألكسندر روديك، منسق المشروع في الشركة، في مقطع فيديو سابق نُشر على موقع VK، إن إنتاج الخبز لم يتأثر.
وتقوم شركة Ykt-Sokol، صانعة الدراجات الرباعية ومقرها سيبيريا، والتي تستخدم مركباتها عادة للصيد أو حمل جذوع الأشجار أو عبور البحيرات، بتزويد الجيش الروسي في أوكرانيا بها الآن. وقالت الشركة لوكالة تاس الإخبارية الرسمية في أغسطس إنها تعمل حالياً على عقد حكومي لشراء 70 مركبة، ولم تستجب لطلب التعليق.
وتحول العديد من مراكز التسوق في مدينة إيجيفسك، غرب جبال الأورال، إلى شركات لصناعة الطائرات بدون طيار. ووقّع السكان المحليون على التماسات للاحتجاج على تصنيع الأسلحة في حيهم، ورفع أحد مستأجري أحد مراكز التسوق دعوى قضائية لخرق العقد، وفقاً للالتماسات والموقع الإلكتروني للمستأجر ووثيقة المحكمة. ولم تستجب شركة Aeroscan، الشركة التي استحوذت على أحد مراكز التسوق، لطلب التعليق.
وفي سبتمبر/أيلول، زار بوتين أحد مراكز التسوق لتفقد إنتاج الطائرات بدون طيار.