تسببت هشاشة الاقتصاد البريطاني والاضطرابات العالمية الناجمة عن الحروب التجارية ورسوم الضرائب التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيادة زخم بريطانيا نحو التوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي.
وتعتقد المملكة المتحدة أن هذه الاتفاقية يمكن أن تزيد التجارة الثنائية 16%، ما يضيف نحو 8.6 مليار جنيه إسترليني «10.7 مليار دولار» سنوياً إلى حجم التجارة الحالية البالغ 57.4 مليار جنيه إسترليني، وفقاً لتقرير نشره موقع «أوراسيا ريفيو» (Eurasia Review).
كما قد تؤدي الاتفاقية إلى زيادة أجور العمال السنوية في المملكة المتحدة بمقدار يراوح بين 600 مليون و1.1 مليار جنيه إسترليني، إضافة إلى تعزيز الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بمقدار 1.6 إلى 3.1 مليار جنيه إسترليني بحلول عام 2035.
قالت وزارة الأعمال والتجارة البريطانية في تصريح لوكالة «بلومبيرغ» في نوفمبر الماضي: «تلعب الصفقات التجارية مثل هذه دوراً حيوياً في تعزيز الاقتصاد البريطاني».
وأضافت: «نسعى إلى إبرام صفقة تجارية حديثة مع الخليج كأولوية، وتركيزنا ينصب على تأمين صفقة تقدم قيمة حقيقية للشركات على الجانبين، بدلاً من إنجازها بحلول تاريخ محدد».
وفي الوقت نفسه، تستمر المحادثات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بوتيرة متسارعة، لكن حكومة حزب العمال لم توقع حتى الآن أي اتفاقيات تجارة حرة منذ وصولها إلى السلطة في يوليو.
ووعد رئيس الوزراء كير ستارمر خلال حملته الانتخابية بإعادة ضبط العلاقات الدولية، وجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لتحفيز الاقتصاد.
تتمتع المملكة المتحدة بفائض تجاري مع جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والذي يُعد سابع أكبر سوق للصادرات البريطانية.
وتمثل التجارة مع الإمارات والسعودية حوالي 70% من إجمالي التجارة البريطانية مع مجلس التعاون، ما يجعل هذين البلدين الشريكين الأهم في المفاوضات.
تعتبر الصناعات النفطية والغازية مكوناً رئيسياً في هذه العلاقة التجارية، حيث يُعد النفط المكرر السلعة الأولى المستوردة إلى المملكة المتحدة من الإمارات والسعودية والكويت، بينما يأتي 40% من واردات الغاز الطبيعي المسال البريطانية من قطر.
ودعمت المملكة المتحدة تحديث مشروعات الطاقة في البحرين والكويت وعمان عبر تمويل مشاريع تصدير بريطانية.
تسعى المملكة المتحدة إلى توطيد شراكاتها مع دول الخليج، حيث وقعت في عام 2022 شراكة استثمارية استراتيجية مع قطر بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني.
كما تم إبرام «شراكات استثمار سيادية» مع دول مجلس التعاون الخليجي، شملت دعم منشأة ميناء سلمان في البحرين والاعتراف بالأهمية الاستراتيجية لقاعدة الدقم في عمان.
رغم تقدم المحادثات، فإن الاتفاق لن يأتي في وقت قريب بما يكفي لإنعاش الاقتصاد البريطاني الراكد، ما دفع حكومة ستارمر إلى جعل النمو الاقتصادي أولوية قصوى. وستمثل الاتفاقية دفعة قوية للمالية العامة البريطانية، إلى جانب تعزيز الحظوظ السياسية لحزب العمال الحاكم.
من ناحية أخرى، ترى دول الخليج في الاتفاقية فرصة لتنويع اقتصاداتها، حيث تتجه السعودية والإمارات بشكل خاص نحو الابتعاد عن الاعتماد على النفط، مع استثمارات متزايدة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
يبلغ متوسط التعريفة الجمركية التي تفرضها دول الخليج على الصادرات البريطانية نحو 5.5%، بينما تخضع الواردات من الخليج لضريبة 5.8%.
ومع ذلك، فإن إزالة هذه الرسوم الجمركية ستساعد الشركات على تقليل التكاليف، ما يعزز فرص التجارة والاستثمار بين الجانبين.
واعتبر الأمين العام والرئيس التنفيذي لغرفة التجارة العربية البريطانية بندر رضا، أن سعي الحكومة البريطانية للنمو سيعزز جهود المفاوضين البريطانيين لدفع المحادثات نحو نتيجة إيجابية.
تستهدف الاتفاقية إزالة العقبات البيروقراطية التي تواجه الشركات، حيث كشف تحليل حكومي بريطاني أن دول الخليج فرضت أكثر من 4500 تدبير غير جمركي على المملكة المتحدة.
ومن المتوقع أن يتم تخفيف بعضها من خلال الإصلاحات الاقتصادية الخليجية الأخيرة.
وتتطلع دول الخليج إلى التعاون في «صناعات المستقبل» مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، والتي تستثمر فيها بكثافة.
ووفقاً لدراسة أجرتها المملكة المتحدة عام 2022، فإن اتفاقية التجارة الحرة ستوفر منصة لتعزيز الشراكة في هذه القطاعات.
مع تزايد الضغوط الاقتصادية على إدارة ستارمر، وفشل الاقتصاد البريطاني في النمو خلال النصف الثاني من 2024، فإن تعزيز التجارة مع مجلس التعاون الخليجي من خلال اتفاقية التجارة الحرة قد يكون المنقذ للاقتصاد البريطاني.
وقال وزير الدولة البريطاني للسياسة التجارية والأمن الاقتصادي دوغلاس ألكسندر، إن المفاوضات حول الاتفاقية واصلت «مناقشات بناءة حول مجالات التجارة المستدامة»، مثل البيئة والعمل.
وتسعى الحكومة البريطانية إلى إبرام اتفاقية تحقق فوائد ملموسة بدلاً من مجرد إنجازها بحلول تاريخ محدد، حيث صرحت وزارة الأعمال والتجارة: «نحن نركز على تأمين اتفاق يوفر قيمة حقيقية للشركات على الجانبين».