رغم تراجع إيرادات قناة السويس وتدهور سعر صرف الجنيه المصري، يترقب الشارع الاقتصادي في مصر دفعة جديدة من الاستثمارات الخليجية التي تُعد بمثابة جرعة دعم مهمة في وقت حرج، وتقدَّر هذه الاستثمارات المحتملة، من قطر والكويت، بنحو 14 مليار دولار، وتأتي عقب جولة للرئيس عبد الفتاح السيسي شملت الدوحة والكويت.
ويعتقد خبراء اقتصاديون تحدثوا لـ«إرم بزنس»، أن هذه الاستثمارات تمثل دعماً استراتيجياً لصمود الاقتصاد المصري أمام تداعيات الأزمات العالمية والإقليمية، وتُعزّز في الوقت ذاته ثقة المؤسسات الدولية بالرؤية الاقتصادية لمصر واستقرارها المستقبلي.
زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى قطر الاثنين، أسفرت عن بيان مشترك كشف «توافقاً على العمل نحو حزمة من الاستثمارات القطرية المباشرة بقيمة إجمالية تصل إلى 7.5 مليار دولار أميركي، تُنفّذ خلال المرحلة المقبلة».
وفي اليوم التالي، أعلنت مصر والكويت عن تفاهمات مماثلة، إذ عبّر الجانب الكويتي عن «عزمه تنفيذ استثمارات في الاقتصاد المصري والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتعددة، لا سيما في قطاعات الطاقة والزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات والتطوير العقاري والقطاع المصرفي والصناعات الدوائية». ورغم عدم الإعلان الرسمي عن القيمة النهائية لتلك الاستثمارات، فإن تقديرات غير رسمية كانت قد أشارت إلى أن القاهرة تستهدف جذب نحو 6.5 مليار دولار من الاستثمارات الكويتية بحلول 2026، منها 4 مليارات يُتوقع ضخها خلال العام الجاري.
أرقام رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أوضحت أن التبادل التجاري مع قطر بلغ 128.4 مليون دولار في عام 2024، مقارنة بـ72.1 مليون دولار في 2023. كما بلغت الاستثمارات القطرية في مصر خلال السنة المالية 2023-2024 نحو 618.5 مليون دولار، مقارنة بـ548.2 مليون دولار في العام السابق.
بدوره، كشف السفير القطري في القاهرة، طارق الأنصاري، في ديسمبر 2024، أن السوق المصرية تضم 261 شركة قطرية بقيمة استثمارات إجمالية تبلغ 2.165 مليار دولار، موزعة بين السياحة (249 مليون دولار)، والإنشاءات (208 ملايين)، والصناعة (36 مليوناً)، وفق ما نقلته وسائل إعلام مصرية.
أما على صعيد العلاقة مع الكويت، فقد أوضح سفير مصر لدى الكويت، أسامة شلتوت، في تصريحات لجريدة «الأنباء الكويتية» أن الاستثمارات الكويتية في مصر تقترب من 20 مليار دولار، وتركز على القطاع المالي، يليه التشييد ثم الصناعة فالخدمات، في حين يبلغ التبادل التجاري بين البلدين نحو 3 مليارات دولار.
تأتي هذه الاستثمارات المحتملة في وقت حرج تمر به مصر، حيث تراجع عدد السفن المارة في قناة السويس بنسبة 50% ليصل إلى 13,213 سفينة في 2024، مقارنة بـ2023. كذلك، هبطت الإيرادات من 10.25 مليار دولار في 2023 إلى 3.991 مليار فقط في 2024، بتراجع بلغ 61%، وفق بيان لهيئة قناة السويس صدر الأربعاء.
على الصعيد النقدي، فقد الجنيه المصري نحو 2.2% من قيمته أمام الدولار بين 3 و9 أبريل، ليصل إلى 51.68 جنيه للدولار، قبل أن يتعافى قليلاً إلى نحو 50.9 جنيه. هذا التراجع جاء وسط ترقّب القاهرة لقرار أوروبي بشأن صرف شريحة دعم بقيمة تقارب 4 مليارات يورو.
رغم الأزمات، تشير مؤشرات التضخم إلى تحسن نسبي، حيث انخفض معدل التضخم في المدن المصرية إلى 12.8% في فبراير و13.6% في مارس، بعد أن بلغ 24% في يناير، نزولاً من ذروة 38% في سبتمبر 2023.
وفي استطلاع أجرته «رويترز» لآراء 19 محللاً اقتصادياً بين 9 و20 يناير، توقّع الخبراء أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.7% في العام المالي 2025/2026، ويبلغ 5.0% في 2026/2027.
أما وزارة التخطيط المصرية فأشارت، في بيان صدر في 15 أبريل الجاري، إلى أن استثمارات القطاع الخاص سترتفع إلى 62.7% من إجمالي الاستثمارات خلال العام المالي المقبل، بقيمة 1.94 تريليون جنيه، مقارنة بـ1.6 تريليون متوقعة هذا العام.
يرى عبد الله الخاطر، رئيس المركز الاستراتيجي للدراسات الذي يرأس أيضاً مجموعة اقتصادية قطرية، في تصريح لـ«إرم بزنس»، أن الاستثمارات القطرية المحتملة تمثل «دعماً مهماً للاقتصاد المصري في لحظة تاريخية تتسم بضغط إقليمي كبير».
وقال الخاطر إن «الأهم من الإعلان عن الأرقام هو كيفية إدارة هذا المبلغ الجيد، الذي جاء بعد توافق ودراسة، مع تنوع القطاعات وضمان حماية هذه الاستثمارات»، وأضاف أن استعداد دول الخليج لضخ هذه الأموال "يعكس فهماً لأهمية التوقيت، وسيوفر استقراراً اقتصادياً داخلياً، ويدعم العملة في مواجهة التضخم».
وأشار أيضاً إلى أن الجولة الخليجية للرئيس المصري كانت «رسالة طمأنة للأسواق العالمية»، وأن التزامات قطر والكويت سترفع من ثقة المؤسسات الدولية في مستقبل الاقتصاد المصري.
من جهته، اعتبر رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن ضخ استثمارات جديدة "سيُترجم إلى إنتاج وتصدير واحتياطي أجنبي، ما يسهم في حل أزمات كبيرة تواجه الاقتصاد". لكنه أشار إلى أن «التوقيت الفعلي لضخ الأموال لا يزال غير معروف»، مرجّحاً أن تتجه نسبة كبيرة منها إلى العقارات «بسبب العائد السريع»، في حين أكد أن «الأهم هو دعم قطاع التصنيع لتحقيق أثر اقتصادي حقيقي».
بدوره، رأى خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، في تصريح لـ«إرم بزنس»، أن «الاستثمارات الخليجية قادرة على تحريك المياه الراكدة وتحقيق طفرة اقتصادية حقيقية»، مشدداً على أن الاقتصاد المصري «لا يزال قادراً على الصمود، ويملك من المقومات ما يجعله جاذباً للاستثمار العالمي».
وأضاف الشافعي: «هذه الاستثمارات لن تأتي إلا من إدراك المستثمرين أنهم سيحققون عوائد فعلية، ومصر لديها فرص هائلة ومستقرة رغم التحديات».
وكان البنك المركزي المصري قد كشف، في يناير الماضي، أن الاستثمارات العربية المباشرة في مصر بلغت 39.4 مليار دولار خلال العام المالي 2023/2024، مقارنة بـ4.3 مليار فقط في العام السابق. وبيّن المركزي أن هذه القفزة جاءت أساساً نتيجة صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، والتي بلغت قيمتها 35 مليار دولار.