logo
اقتصاد

الاستثمارات الصينية تنحسر في الغرب وتتجه للبلدان الناشئة

الاستثمارات الصينية تنحسر في الغرب وتتجه للبلدان الناشئة
تاريخ النشر:24 يوليو 2023, 08:14 ص
بعد سنوات من توجيه الأثرياء الصينيين أموالهم إلى الغرب، حيث كان المستثمرون الصينيون يقومون بإبرام صفقات ضخمة، واقتناص المنازل الفاخرة، وفنادق الخمس نجوم في نيويورك إلى شركات الأدوية السويسرية، وعمالقة التكنولوجيا الألمانية.

ولكن في العصر الحالي انتهى ذلك، حيث تراجع الاستثمار الصيني في الغرب ، مع تنامي العداء لرأس المال الصيني على نحو متزايد، وتنفق الشركات الصينية الأموال على الاستثمار في المصانع في جنوب شرق آسيا، ومشاريع التعدين والطاقة في آسيا والشرق الأوسط، وأميركا الجنوبية، حيث تسعى بكين إلى تعزيز التحالفات في تلك الأماكن وتأمين الوصول إلى الموارد الحيوية.

وكانت إندونيسيا هي الدولة الأكثر تلقياً للاستثمار الصيني حتى الآن هذا العام، حيث إنها بلد غني بالنيكل، الذي يعتبر مكوناً رئيسياً في العديد من البطاريات المستخدمة بتشغيل السيارات الكهربائية، وذلك وفقاً لتقدير أولي للاستثمارات الصينية أعده معهد أمريكان إنتربرايز، وهو مركز أبحاث.

استجابة للتوترات

ويظهر التحول في تدفقات الاستثمار كيف تستجيب الصين لتوتر العلاقات مع الغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة، وتعزز الروابط التجارية والاستثمارية مع أجزاء أخرى من العالم، بطرق يمكن أن تخلق صدعاً جديداً في الاقتصاد العالمي.

وقد يؤدي تراجع الأموال الصينية في الغرب، إلى تقليل فرص العمل في بعض البلدان، مع تقليل حجم رأس المال، الذي يمكن لرجال الأعمال في أماكن مثل وادي السيليكون الاستفادة منه، خاصة أن نمو الاقتصاد الصيني الضعيف يحرم العالم من أحد محركات نموه التقليدية.

وعلى نطاق أوسع، يشير التحول إلى عالم تنحسر فيه العولمة، ومن المرجح أن تتفاقم التوترات الجيوسياسية.

تراجع على الصعيد العالمي

وانخفض الاستثمار الخارجي المباشر من الصين إلى بقية العالم، بنسبة 18% عن العام السابق، ويمثل المستوى الأخير انخفاضاً بنسبة 25% عن الذروة في عام 2016، حيث تراجعت عمليات الاندماج والاستحواذ في الخارج، وشددت بكين القواعد للحد من تدفق الأموال للخارج.

وعلى الرغم من تخفيف بكين قيود الوباء العام الماضي، فمن غير المرجح أن تعود الصين إلى ذروة عقد الصفقات الخارجية، ويرجع جزء كبير من ذلك إلى التوترات الجيوسياسية المتزايدة مع الولايات المتحدة، وذلك وفقاً للمحللين.

كما يرى المحللون أن ضعف العملة داخل الصين، والقطاع الخاص المتعثر، وتركيز بكين المتزايد على بناء اقتصادها المحلي لتعزيز الاكتفاء الذاتي للصين، سيحد من تدفقات الاستثمار للخارج.

وقال لويس كويجس، كبير الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في إس آند بي غلوبال، إن مساحة الصين لتوجيه الاستثمار إلى الاقتصادات الأجنبية المتقدمة تتقلص، وأوضح أنه من غير المرجح أن تزداد تدفقات الاستثمار الصيني الخارجي إلى حد بعيد، في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.

استهداف الأسواق الناشئة

ويرى كويجس، أنه من المرجح أن تعيد الصين تنظيم استثماراتها، لتعزيز هيمنتها في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية، وهذا يعني على الأرجح مضاعفة الاستثمار في الأسواق الناشئة، من جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يبحث أصحاب المصانع الصينيون عن أماكن لتوسيع العمليات والعثور على عملاء جدد، وتركز بكين على الأسواق الغنية بالموارد.

وأعلنت شركة صناعة السيارات الصينية BYD هذا الشهر، إنها تخطط لاستثمار أكثر من 600 مليون دولار، في العديد من مصانع السيارات في البرازيل.

وقال ديريك سيسورز، الزميل الأول في معهد أمريكان إنتربرايز، موضحاً أهمية الاستثمار الصيني في الخارج، مؤكداً أننا لن نعود إلى ذروة عام 2016 حاليا، مشيراً إلى أنه من غير المرجح أن يفوت الاقتصاد الأمريكي الكثير من رأس المال الصيني، إلا أن تراجعه قد يكون أكثر إيلاماً للاقتصادات الغربية الأصغر، مثل أستراليا وكندا والمجر.



وفي نفس الوقت فإن تراجع ضخ الأموال الصينية في الغرب له بعض المكاسب، حيث من الممكن أن يقلل من سلوك المضاربة الذي أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات.

وقال جيم كوستيلو، كبير الاقتصاديين في MSCI Real Assets، وهي شركة أبحاث عقارية، إن الصينيين الذين كانوا يستثمرون في العقارات الغربية، نقلوا السوق إلى مستوى مختلف، حيث ارتفعت الأسعار بشكل مجنون.

وأشعل المستثمرون الصينيون جنون المضاربة في أسواق مثل مدينة نيويورك، في منتصف العقد الماضي، واشترت شركة التأمين Anbang فندق Waldorf Astoria مقابل 1.95 مليار دولار في عام 2015، حينئذ كانت أغلى عملية شراء لفندق أمريكي مسجل.

وفي عام 2018، استحوذت الحكومة على شركة Anbang، وذلك قبل فترة وجيزة من الحكم على مؤسسها بالسجن 18 عاماً، بتهمة ارتكاب جرائم مالية تتعلق بالاحتيال وإساءة استخدام السلطة، في حين لم تكتمل خطط تحويل فندق Waldorf Astoria إلى شقق فاخرة.

تراجع الاستثمار الخارجي عالمياً

وشهد الاستثمار الخارجي المباشر تراجعاً في جميع أنحاء العالم، وليس فقط من الصين، بل في جميع الولايات، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، وانخفض الاستثمار الخارجي بنسبة 14% في عام 2022 مقارنة بالعام الذي قبله، حيث أدى التضخم ومخاوف الركود واضطراب الأسواق المالية إلى تعليق الاستثمارات، وفقاً لبيانات من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

انفصال عن الغرب

وعلى الرغم من التراجع العالمي، إلا أن تراجع الصين كان أكثر حدة، وامتد على مدى فترة أطول، لا سيما في الاقتصادات المتقدمة، وهو مؤشر يدل على الانفصال الاقتصادي عن الغرب.

وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن الاستثمار الخارجي من قبل الصين، انخفض إلى حوالي 147 مليار دولار في عام 2022، بانخفاض 18% مقارنة بالعام السابق، وبلغ ذروته عند 196 مليار دولار في عام 2016.

وقبل عام 2016، شجعت الصين بنشاط الشركات الصينية على الاستثمار في الخارج للمساعدة في توسيع النفوذ الاقتصادي للصين، وقامت تكتلات مثل HNA و Dalian Wanda، بضخ الأموال في البنوك العالمية وسلاسل الفنادق ودور السينما.

وبحلول عام 2016 أدت المخاوف بشأن تدفقات رأس المال الخارجية، والضغط المالي في التكتلات الصينية، إلى قيام بكين بتشديد ضوابط رأس المال وتكثيف التدقيق في إبرام صفقات الشركات.

وفي الآونة الأخيرة، أصبحت المواقف بشأن عمليات الاستحواذ الصينية أكثر صرامة مع تدهور العلاقات مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. واشتبكت واشنطن وحلفاؤها مع بكين، بشأن قضايا من بينها الأمن القومي والتجارة وتايوان.

وبالإضافة إلى ذلك، تعيد الصين التفكير في مبادرة الحزام والطريق، التي تركز على بناء البنية التحتية في العالم النامي، ويريد المسؤولون من المقرضين الصينيين، اتباع نهج أكثر حذراً في المشروعات الجديدة، بعد أن توترت قروض بمليارات الدولارات.

وفي عام 2016، قامت الشركات الصينية والكيانات المملوكة للدولة، بـ 120 استثمارًا في مجموعة الاقتصادات المتقدمة السبعة، كان 63 منها في الولايات المتحدة، وفقًا لقاعدة بيانات للمشاريع الصينية في الخارج، بقيمة لا تقل عن 95 مليون دولار، والتي يحتفظ بها معهد أمريكان إنتربرايز ومؤسسة هيريتدج، وهي مؤسسة فكرية أخرى محافظة مقرها الولايات المتحدة.

وتضمنت الصفقات شراء شركة Lexmark لصناعة طابعات الكمبيوتر في الولايات المتحدة، من قبل كونسورتيوم الصينية، وبيع شركة Kuka الألمانية لصناعة الروبوتات إلى شركة Midea الصينية.

وفي العام الماضي ، كان هناك 13 استثمارًا صينيًا فقط في دول مجموعة السبع، وفي عام 2016، بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في مجموعة السبع حوالي 84 مليار دولار.

في عام 2022، بلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في اقتصادات مجموعة السبع 7.4 مليار دولار، أو 18% فقط من الاستثمارات الخارجية الصينية في ذلك العام، وفقًا لقاعدة بيانات معهد أمريكان إنتربرايز.



ووصل الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في أوروبا، إلى أدنى مستوى له خلال عقد من الزمن بما يعادل 8.8 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لتقرير صادر عن شركة الأبحاث Rhodium Group ومقرها نيويورك ومعهد Mercator للدراسات الصينية، وهو مركز أبحاث مقره في برلين.

وكانت صناعة السيارات الكهربائية نقطة مضيئة نادرة تجذب الاستثمار الصيني، على الرغم من أن الحجم ليس كبيرًا بما يكفي لتعويض تقلص المعاملات في أماكن أخرى.

وكتب مؤلفو التقرير، الذي نُشر في مايو: "الوضع الاقتصادي الهش للصين والضغوط الجيوسياسية، تجعل انتعاشًا إلى مستويات الاستثمار في منتصف عام 2010 أمرًا غير مرجح".

واستثمرت الشركات والكيانات الحكومية الصينية مجتمعة 24.5 مليار دولار في آسيا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط العام الماضي، وفقًا لقاعدة بيانات American Enterprise Institute، بزيادة قدرها 13% عن عام 2021.

وشملت الصفقات استثمارًا بقيمة 1.9 مليار دولار من قبل Cnooc، عملاق النفط الصيني المملوك للدولة، في البرازيل واستثمارات من قبل صانعي السيارات Great Wall Motor و BYD في تايلاند.

وفي النصف الأول من هذا العام، بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي من قبل الشركات الصينية 29.5 مليار دولار ، وفقًا للتقدير الأولي لمعهد أمريكان إنتربرايز، مشيرًا إلى انتعاش متواضع في الأنشطة الخارجية الآن بعد أن تراجع الوباء.

وكانت إندونيسيا هي المستفيد الأول بفضل وفرتها من المعادن الاستراتيجية، حيث حصلت على 17% من هذا الإجمالي، على الرغم من أن هذا التقدير قد يتغير مع مزيد من المعلومات حول التوقيت الدقيق للاستثمارات.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC