من المتوقع أن تحقق المملكة العربية السعودية إيرادات كبيرة من استضافة بطولة كأس العالم 2034، حيث تشهد هذه النسخة مشاركة 48 منتخباً، ما يزيد من عدد الفرق والمشجعين والسياح، وبالتالي يرفع حجم الإنفاق الكلي.
تُظهر التجارب السابقة أن قطر حققت إيرادات تُقدّر بـ17 مليار دولار من استضافة 32 منتخباً في نسخة 2022، ومن المتوقع أن تتراوح إيرادات السعودية بين 25 و30 مليار دولار، مدفوعة بزيادة عدد المنتخبات بنسبة 50%، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عوامل أخرى مثل الاستثمارات، والتضخم، والاختلاف في الإنفاق الجماهيري، والرعاية التجارية قد تؤثر على العائدات، إلى جانب الحجم الجغرافي للسعودية وقاعدة الجماهير الأكبر، والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والسياحة الرياضية.
من المؤكد أن البطولة ستجذب العديد من الحاضرين من حول العالم، وسينعكس إنفاق المستهلكين من مشجعين وسائحين ومنتخبات رياضية إيجاباً على الاقتصاد الكلي، غير أن الأثر الأكبر سيكون في المدن الخمس الحاضنة للملاعب التي ستقام عليها المباريات.
وتهدف السعودية إلى استضافة جميع مباريات كأس العالم 2034 البالغ عددها 104 مباريات في 15 ملعباً (ثمانية منها لم يتم بناؤها بعد) في جدة وأبها والخبر ونيوم، وملعب يتسع لـ92 ألف مقعد مخطط له في الرياض.
من المتوقع أن تشهد المملكة أكثر من 5200 مشروع، حيث تمثل هذه المشاريع، التي تبلغ قيمتها 819 مليار دولار، 35% من جميع مشاريع دول مجلس التعاون الخليجي النشطة اليوم، وذلك بمساعدة تعهد حكومي بأكثر من تريليون ريال (266 مليار دولار) للعقد المقبل وكأس العالم 2034 المقبلة.
من المتوقع أن تسهم استضافة المملكة العربية السعودية لبطولة كأس العالم في تعزيز الاقتصاد عبر ثلاثة محاور رئيسية. يتمثل المحور الأول في حجم الإنفاق الاستثماري على البنية التحتية، والذي يُعد من المتطلبات الأساسية للاستضافة؛ مما سيدعم النمو الاقتصادي، ويحقق فوائد مباشرة للقطاع الخاص، الذي يُعتبر المستفيد الأكبر من الإنفاق الحكومي.
أما المحور الثاني، فيتعلق بجذب الاستثمارات من القطاع الخاص، والتي ستُوجّه لدعم القطاعات المرتبطة بالاستضافة، مثل القطاع السياحي بشكل عام، وقطاع الضيافة بشكل خاص.
والمحور الثالث يتضمن تنشيط القطاع التجاري عامة وقطاع التجزئة بشكل خاص. جاء ذلك وفقاً لتصريحات الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى فضل بن سعد البوعينين لموقع «إرم بزنس».
تفتح استضافة المملكة العربية السعودية لبطولة كأس العالم آفاقاً واسعة للاستثمار في عدة قطاعات، أبرزها تطوير البنية التحتية، بما يشمل إنشاء ملاعب حديثة، وتحسين شبكات النقل، وتعزيز مرافق الضيافة. كما توفر الاستضافة فرصة لترويج المملكة كوجهة سياحية رائدة، من خلال إبراز تراثها الثقافي ومعالمها السياحية الجديدة.
إلى جانب ذلك، من المتوقع التوسع في إنشاء العقارات السكنية والتجارية، لتلبية احتياجات التدفق المتوقع للزوار والشركات خلال البطولة. وتُعد البنية التحتية قاعدة أساسية للنمو الاقتصادي، حيث تؤثر بشكل مباشر على قطاعات متعددة، مثل السياحة، النقل، الخدمات اللوجستية، والمنظومات الرقمية والرياضية.
وأكد فضل بن سعد البوعينين، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى، أن استكمال مشاريع البنية التحتية يتطلب استثمارات حكومية ضخمة؛ مما سيعزز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وأضاف أن هذه المشاريع ستسهم في جذب الاستثمارات من القطاع الخاص، ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني، خاصة على القطاعات غير النفطية.
وأشار البوعينين إلى أن معدل النمو الاقتصادي سيتأثر بحجم الاستثمارات التي سيتم ضخها ومدى تزايد الطلب على الخدمات المرتبطة بالبطولة، متوقعاً نمواً مستمراً في هذا الجانب بدءاً من الآن وحتى عام 2034، موعد استضافة البطولة.
سيكون القطاعان السياحي والضيافة من أبرز المستفيدين من استضافة كأس العالم، حيث ستسهم الفعالية في توسع هذين القطاعين من خلال زيادة عدد الغرف الفندقية المتاحة، تطوير المطارات، وتحسين وسائل النقل، مما ينعكس إيجاباً على التنمية وجودة الحياة.
من المتوقع تطوير نحو 230 ألف غرفة فندقية في المدن المستضيفة، مع امتداد خطط الاستضافة إلى عشر مدن داعمة لاستيعاب معسكرات تدريب المنتخبات. كما ستوفر البطولة فرص عمل دائمة في قطاعات السياحة والترفيه والتجارة، وفرص عمل مؤقتة في قطاع الإنشاءات.
وأشار فضل بن سعد البوعينين إلى أن هذه التطورات ستخلق فرصاً استثمارية كبيرة للشركات المحلية والعالمية، مع فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية لتعزيز النمو الاقتصادي والاستفادة من الإمكانات المتاحة.
أوضح فضل بن سعد البوعينين أن استضافة المملكة لبطولة كأس العالم، كأي مشروع كبير، قد تواجه تحديات متعددة. وللتعامل مع ذلك، بادر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بإنشاء الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم، التي تُعنى بالتخطيط الاستراتيجي، والإشراف على التنظيم المالي، ومعالجة التحديات الطارئة.
وأشار البوعينين إلى أن تكاليف الاستضافة تُعد جزءاً من تكاليف التنمية وبرامج رؤية السعودية 2030، حيث ترتبط معظم المشاريع التنموية بمستهدفات الرؤية الشاملة، وليس بالبطولة فقط.
وأضاف أن بعض المشاريع المرتبطة بكأس العالم، مثل إنشاء الملاعب الحديثة، تندرج ضمن هذه الخطط التنموية، مما يستدعي تحقيق توازن بين التكاليف الإجمالية وتأثيرها على الاقتصاد وجودة الحياة. وأكد أن العوائد الحقيقية تُقاس من خلال الاستدامة، التنوع، والنمو الاقتصادي الكلي، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030، وليس فقط من خلال العائدات المباشرة للبطولة.