يستعد «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي للإعلان عن خفض جديد لسعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الأسبوع المقبل، في خطوة تتماشى مع سياسته الهادفة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، رغم تقلبات بيانات سوق العمل وعدم اليقين حول السياسات الاقتصادية المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية 5 نوفمبر الجاري.
من المتوقع أن تعلن «لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية» قرارها بشأن أسعار الفائدة بعد يومين من إغلاق صناديق الاقتراع، وسط احتمال عدم معرفة نتائج الانتخابات بشكل كامل في ذلك الوقت.
يهدف الخفض إلى إعادة سعر الفائدة إلى نطاق مستهدف بين 4.5% و4.75%، وذلك بعد خفض غير اعتيادي بمقدار نصف نقطة في سبتمبر.
وصرح الرئيس السابق لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في بوسطن، إريك روزنغرين، بأن «معدل الفائدة الحالي لا يزال مرتفعاً، و(الفيدرالي) يسعى لتجنب إبطاء الاقتصاد بشكل حاد، لذا من المنطقي متابعة الخفض التدريجي ما لم تطرأ تغييرات جوهرية»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.
كما أضاف روزنغرين أن هذا القرار يستند إلى مؤشرات تظهر نمواً قوياً للاقتصاد الأميركي، مدعوماً بسوق عمل مستقرة وإنفاق استهلاكي قوي، رغم تباطؤ معدلات التضخم، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي حقق نمواً بـ2.8% على أساس سنوي في الربع الثالث؛ ما يعكس توسعاً اقتصادياً صحياً.
تقرير الوظائف الأخير، الذي أظهر إضافة 12,000 وظيفة فقط في أكتوبر، أثار قلقاً نظراً لأنه يمثل أقل زيادة شهرية في عهد الرئيس جو بايدن. وقد تأثرت هذه البيانات بعوامل استثنائية، مثل إعصارين ضربا جنوب شرق الولايات المتحدة وتسببا في تقليص الوظائف، إضافة إلى إضرابات العمال، بما في ذلك إضراب في شركة «بوينغ»، أسفر عن شطب 44,000 وظيفة.
مع ذلك، يتوقع العديد من الاقتصاديين أن تستعيد سوق العمل زخمها، حيث لا تشير المكاسب الضعيفة في أكتوبر إلى ضعف اقتصادي حاد.
من جهته، أوضح الرئيس السابق لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في سانت لويس، جيمس بولارد، أن «التوقعات بشأن الركود الاقتصادي قد تلاشت الآن تماماً»؛ ما يدعم توجّه «الفيدرالي» للتحرك ببطء في خفض سعر الفائدة.
فيما أوضح أن التحدي الرئيس الذي يواجه صناع القرار هو تحقيق مستوى محايد من الفائدة لا يعيق النمو ولا يحفزه، بهدف استعادة استقرار التضخم عند 2%.
ووفقاً لآخر البيانات، انخفض مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي إلى 2.1%، بينما بقي المؤشر الأساسي، الذي يستثني المواد الغذائية والطاقة، عند 2.7%.
في الأشهر الأخيرة، أيد مسؤولو «الفيدرالي» نهج الخفض التدريجي لتكاليف الاقتراض؛ ما يشير إلى أن تكرار خفض نصف نقطة لم يعد ضرورياً.
كما ذكرت الرئيسة السابقة لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في كانساس سيتي، إستر جورج، أن «التدريجي» يعني حالياً الخفض بمقدار ربع نقطة وليس نصف نقطة، مشيرةً إلى ضرورة توخي الحذر في ظل استمرار المخاطر التضخمية.
أما كبير الاقتصاديين العالميين في «مورغان ستانلي»، سيث كاربنتر، فاعتبر أن التضخم قد يستقر فوق 2% لفترة، متوقعاً أن يقوم «الفيدرالي» بخفض ربع نقطة في اجتماع الأسبوع المقبل وأيضاً في ديسمبر، مع استكمال المزيد من الخفض حتى يصل إلى مستوى قريب من الحياد عند حوالي 3.25%.
الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة تشكل تحدياً إضافياً أمام «الفيدرالي»، حيث يقترح المرشحان الرئيسيان رؤى اقتصادية متباينة يمكن أن تؤثر على النمو والتضخم.
ويسعى الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، إلى العودة لسياسات تجارية حمائية وخفض الضرائب على الشركات، مع تدخل أكبر في قرارات السياسة النقدية؛ ما يثير مخاوف بشأن استقلالية «الفيدرالي».
في المقابل، تركّز نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، على تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي بتمويل من ضرائب أعلى على الأثرياء، مع الحفاظ على استقلالية «الفيدرالي».
مع هذه التحديات والظروف المتغيرة، يتوقع أن يتوخى رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، الحذر في توجيهاته حول السياسة النقدية المستقبلية خلال الاجتماع المقبل، نظراً لحالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد الأميركي. وبفضل نهجه المرن، سيتمكن «الفيدرالي» من التكيف سريعاً مع أي تطورات قد تطرأ وتؤثر على استقرار الاقتصاد، وفقاً للصحيفة.