ومع ذلك، فإن التضخم أعلى بكثير من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وحتى مع استبعاد قطاعات الغذاء والطاقة المتقلبة، بلغ معدل التضخم الأساسي 5.7% في ديسمبر، إذن كيف سينخفض بالإجمالي إلى 2%؟
يبدو أن الأسواق متفائلة، وتراهن على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي، سيخفض أسعار الفائدة هذا العام. لكن السيد باول لا يوافق، فالأمر يعتمد على ثلاثة قطاعات: السلع والسكن والخدمات الأخرى، باستثناء الغذاء والطاقة.
أدى ارتفاع أسعار السلع المصنعة مثل السيارات والأثاث، إلى ارتفاع كبير في التضخم الأولي في عام 2021، حيث اصطدم الإنفاق الاستهلاكي، الذي تغذيه أسعار الفائدة المنخفضة والحوافز الحكومية وتحولات العادة الوبائية، بسلاسل التوريد المغلقة. ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 12.3% عن العام السابق في فبراير 2022، وارتفعت بنسبة 2.1% فقط عن العام السابق في ديسمبر 2022. وتمثل هذه السلع حوالي 22% من مؤشر أسعار المستهلك، و 23% من مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، التي يفضلها بنك الاحتياطي الفيدرالي.
لقد انتهت تلك الموجة وتعافت سلاسل التوريد في الغالب، وتحول الطلب الاستهلاكي مرة أخرى نحو الخدمات من السلع. كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 2.1% فقط في العام حتى ديسمبر، حيث ساهمت بنسبة 0.5 نقطة مئوية في زيادة مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.5% من فبراير 2022، عندما قادت 2.5 نقطة مئوية، من زيادة ذلك الشهر بنسبة 7.9%. خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في ديسمبر، انخفضت أسعار السلع الأساسية فعليًا بمعدل سنوي قدره 4.8%.
ذكر خبراء في مؤسسة "تي رو برايس"، أن انخفاض الإنفاق على السلع، والتحسن المستمر في سلاسل التوريد، وانخفاض تكاليف الشحن، يجب أن تستمر في تخفيف الضغوط على الأسعار في الأشهر المقبلة.
ويقدر خبراء في "يو بي إس"، أن انكماش السلع الأساسية، سيقلص التضخم الإجمالي بنسبة 0.4 نقطة مئوية بحلول ديسمبر.
لكن انكماش أسعار السلع يمكن أن يتلاشى مع عودة المخزون إلى طبيعته، وانتعاش النمو العالمي. تتوقع فيرونيكا كلارك، الخبيرة الاقتصادية في "سيتي غروب"، ارتفاع أسعار السلع بنسبة 1.6% في الأشهر الـ 12 المنتهية في ديسمبر المقبل.
أدى ارتفاع الطلب على المنازل والشقق، نتيجة انخفاض معدلات الفائدة والعمل عن بُعد، إلى مساهمة الإسكان بأكثر من نصف معدل التضخم الأساسي البالغ 5.7% في مؤشر أسعار المستهلكين لشهر ديسمبر.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تستمر هذه الفئة في الارتفاع خلال الربيع، ولكن أن تتباطأ لاحقاً. يتوقع الاقتصادي جيك أوبينا، أن ينخفض تضخم الإسكان من 8.1% في مارس إلى 5.3% بحلول ديسمبر.
ويعود هذا الانعكاس إلى كيفية تفاعل التحولات التي يحركها الوباء مع منهجية التضخم، لقياس ما يدفعه المستأجرون وأصحاب المنازل مقابل السكن، يتضمن مؤشر أسعار المستهلك عقود إيجار جديدة وقائمة، وبالتالي يعكس التغييرات في عقود الإيجار الجديدة.
تتباطأ عقود الإيجار الجديدة هذه الآن بشكل حاد، انخفض مؤشر قيمة المنازل لشركة "زيلو" لعقود الإيجار الجديدة بمعدل سنوي مدته ثلاثة أشهر بنسبة 3% في ديسمبر. وقال أوبينا إن هذا ينذر بتباطؤ حاد في مقياس الإسكان الخاص بمؤشر أسعار المستهلك، والذي نما بنسبة 7.5% في ديسمبر.
ويتوقع أن يستمر الإسكان في تعزيز التضخم، لكن مساهمته في زيادة مؤشر أسعار المستهلكين لمدة 12 شهرًا، ستبلغ ذروتها في يونيو، وتتقلص بنسبة 0.7 نقطة مئوية بحلول ديسمبر، مقارنة بالعام السابق. يشكل الإسكان 15% فقط من مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي وبالتالي يكون تأثيره أقل هناك.
بمجرد استبعاد الغذاء والطاقة والسلع والمسكن، فإن ما تبقى هو أسعار الخدمات الأساسية.
أكد جيروم باول وغيره من المسؤولين مؤخراً، أن الأجور تشكل حصة كبيرة من التكاليف التي تدخل في هذه الخدمات، ويسبب نقص العمال القلق للاقتصاديين وصانعي السياسات، الذين يرون في ذلك قناة تغذي التضخم.
ارتفع الأجر بالساعة للعاملين في القطاع الخاص بمعدل سنوي قدره 4.6% في الأشهر الثلاثة حتى يناير، مقارنة بمتوسط معدل 3.3% في عامي 2018 و 2019.
في حين أظهر نمو الأجور علامات على التباطؤ في الآونة الأخيرة، فإنه لا يزال عند مستويات، تجعل من الصعب على بنك الاحتياطي الفيدرالي الوصول إلى هدف التضخم.
قالت فيرونيكا كلارك: "من الأسهل أن ينتقل التضخم من 7% أو 8%، إلى 4% أو 5%، من الانتقال من هناك إلى 2% أو 3%، هذا أصعب بكثير بالنظر إلى ما يحدث في سوق العمل".
وتأتي الرؤية الأكثر تفاؤلاً من سلسلة الأجور، التي بناها الاقتصاديون من مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين. وتظهر أن رواتب العاملين غير الإداريين في الخدمات، التي تدخل في فئة الأسعار الفائقة، قد نمت بنسبة 4% فقط في يناير، بانخفاض من 9.7% في أكتوبر 2021.
يتوقع الاقتصاديون، ممن قالوا إن التضخم سيتراجع إلى مستوى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، بحلول نهاية العام عمومًا، أن تكون العملية مدعومة بالركود حيث تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى خنق الإنفاق، ويدفع انخفاض الأرباح الشركات إلى التخلص من العمال، مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة عن أدنى مستوى في 53 عامًا في يناير عند 3.4%.
وقال خبراء اقتصاديون إن السياسة النقدية تؤثر على الاقتصاد، لذا فإن القليل من انخفاض التضخم حتى الآن، يرجع إلى زيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في العام الماضي. ولا ينبغي أن يكون التأثير الأكبر حتى وقت متأخر من هذا العام على الأرجح، وتوقعوا بحلول منتصف هذا العام أن يدخل الاقتصاد في حالة ركود، وأن يرتفع معدل البطالة إلى 4.5% بحلول نهاية هذا العام، وإلى 5.5% بحلول نهاية العام المقبل، كما من المتوقع أن ينخفض التضخم الأساسي إلى 2.3% بحلول نهاية العام.
لكن لا توجد حتى الآن أي علامة على مثل هذا الركود في الإنفاق الاستهلاكي، الذي يقود حوالي 70% من الناتج الأميركي.