ساهمت أحداث الحرب بين إسرائيل وحماس وما تلاها من صراعات في لبنان وإيران في تصعيد معدلات الهجرة من إسرائيل بشكل غير مسبوق.
وبعد سنوات من كونها مركزاً عالمياً للابتكار والتقدم التكنولوجي، أصبحت إسرائيل الآن تشهد موجات المغادرة من قبل الكفاءات والمهنيين في مجالات حيوية، وعلى رأسها قطاع التكنولوجيا، وفقاً لما أورده تقرير لمجلة «فورتشن».
وتطورت الهجرة التي بدأت كرد فعل مباشر على المخاوف الأمنية، لتصبح نمطاً طويل الأمد، حيث يسعى العديد من الإسرائيليين إلى الاستقرار في أوروبا بعيداً عن حالة عدم اليقين السياسي والاجتماعي.
ووفقاً لدائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، سجلت البلاد زيادة كبيرة بنسبة 285% في عدد الأشخاص الذين غادروا البلاد بشكل دائم مباشرة بعد أحداث السابع من أكتوبر.
ورغم استقرار هذا المعدل لاحقاً، فإن تدفق الإسرائيليين إلى الخارج لا يزال مستمراً، ما يعكس القلق العميق بشأن الأمن والوضع السياسي في البلاد.
وبحسب التقرير، فإن هذا الاتجاه لم يظهر فجأة، بل بدأ في الأشهر التي سبقت الهجمات، مع زيادة قدرها 51% في حالات الهجرة؛ بسبب الاحتجاجات الشعبية ضد الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل التي أقرتها الحكومة.
وأوضح، أن المغادرين يشملون شريحة واسعة من المواطنين الإسرائيليين ذوي التعليم العالي والقدرة الاقتصادية الكبيرة، ولا سيما من العاملين في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا، الطب، الأكاديميا، والأعمال.
وسهل امتلاكهم لجوازات سفر مزدوجة من دول أوروبية مثل ألمانيا وبولندا لهم الانتقال إلى الاتحاد الأوروبي، حيث أصبحت ألمانيا والبرتغال من أبرز الوجهات نظراً لاستقرارهما السياسي واقتصادهما القوي.
ويعد قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي من أكثر القطاعات تأثراً بهذه الهجرة، والذي يعد من أبرز محركات الاقتصاد الوطني، حيث كانت شركات عالمية مثل «غوغل» و«مايكروسوفت» و«إنتل» تملك مكاتب كبيرة في تل أبيب وغيرها من المدن الإسرائيلية، ما يسمح لموظفيها بالانتقال بسهولة إلى مكاتبها في الخارج.
وصرح شلومي غرين، مهندس برمجيات، هاجر مع عائلته فور اندلاع هجمات 7 أكتوبر، قائلاً: «أردنا أن نشعر بالأمان والاستقرار في وطننا، ولن نساوم على ذلك».
وهذه الحالة ليست فريدة من نوعها، حيث إن العديد من العاملين في القطاع التكنولوجي الإسرائيلي اتخذوا القرار نفسه بالانتقال إلى بلدان أكثر أماناً.
كما أظهرت دراسة من معهد «روبين» الأكاديمي أن عدد العرب الإسرائيليين الراغبين في الهجرة قد تضاعف إلى 14% منذ أحداث 7 أكتوبر.
وفي ظل الظروف الأمنية الحالية، اختار العديد من الأطباء الإسرائيليين المغادرة إلى أوروبا، حيث يعاني النظام الصحي الأوروبي من نقص في الكوادر الطبية ويبحث عن مهنيين أجانب.
من جانبه، وصف البروفيسور جيل فاير، أحد كبار المسؤولين في أحد أكبر مستشفيات إسرائيل، هذا النوع بـ«الهجرة الصامتة»، حيث يرحل العديد من المهنيين مع نية العودة لاحقاً.
أصبحت قبرص وجهة شهيرة للمغادرين، ولا سيما لأولئك الذين لا يرغبون في مغادرة إسرائيل بشكل دائم، إذ شهدت مدينة ليماسول الساحلية زيادة كبيرة في شراء العقارات من قبل الإسرائيليين الذين يبحثون عن ملاذ آمن.
وأدى هذا التدفق إلى زيادة أسعار العقارات بشكل ملحوظ، ما تسبب في قلق بين السكان المحليين الذين يشعرون أنهم أصبحوا غير قادرين على التنافس في سوق العقارات.
تشير التوقعات إلى أن هذه الهجرة قد تؤدي إلى فقدان بعض من أبرز العقول والمهنيين من إسرائيل، ما يهدد بتفاقم ظاهرة «هجرة العقول» والضغط على القاعدة الضريبية.
كما أن هذه الهجرة قد تكون لها تداعيات اجتماعية وسياسية بعيدة المدى، ولا سيما أن معظم المهاجرين ينتمون إلى الفئات العلمانية والليبرالية التي تشعر بالإحباط من التوجهات السياسية للحكومة الحالية، ما قد يعزز هيمنة اليمين على الساحة السياسية الإسرائيلية، وفق التقرير.
وتشير بعض الآراء إلى أن إسرائيل قد تشهد في المستقبل القريب تدفقاً جديداً من المهاجرين، ولا سيما من دول مثل روسيا، الذين قد يعوضون الفاقد البشري الناتج عن الهجرة، إضافة إلى قلق من أن يعود المزيد من الإسرائيليين إلى التفكير في الهجرة بعد عودة الاحتياطيين العسكريين من الخدمة في النزاعات الحالية.
وأكد التقرير، أن إسرائيل تواجه الآن تحدياً حاسماً في كيفية الحفاظ على كفاءاتها وتحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي لمواطنيها، مشدداً على أن مستقبل الهجرة في إسرائيل سيعتمد على سرعة معالجة الأزمات الحالية وقدرة البلاد على استعادة شعور الأمان والطمأنينة لمواطنيها.