شهدت العديد من الاقتصادات الكبرى في شمال أوروبا ارتفاعاً ملحوظاً في إنتاج الكهرباء باستخدام الغاز منذ بداية عام 2025، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز الإقليمية إلى أعلى مستوياتها منذ مطلع عام 2023.
ووفقاً لبيانات «إل إس إي جي»، ارتفع إنتاج محطات الطاقة العاملة بالغاز في ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا وبولندا بحسب رويترز بأكثر من 10% في يناير مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، ليصل إلى أعلى مستوى شهري منذ عام 2022 على الأقل.
لكن هذا النمو في استهلاك الغاز قد يشهد تباطؤاً، إذا تجاوزت أسعار الغاز الإقليمية تكلفة إنتاج الكهرباء من الفحم، ما قد يدفع بعض شركات الكهرباء إلى تقليل اعتمادها على الغاز وزيادة إنتاجها من الفحم.
ويبدو أن هذا التحول سيكون أكثر وضوحاً في ألمانيا وبولندا، حيث تهيمن محطات الفحم على مزيج الطاقة مقارنة بمحطات الغاز الطبيعي، ومن شأن انخفاض استهلاك الغاز في هذين البلدين أن يحدّ من الارتفاع الأخير في أسعار الغاز بأوروبا، التي زادت بنحو 60% مقارنة بمستوياتها قبل عام.
لكن التحول نحو الفحم ستكون له تداعيات بيئية كبيرة، حيث إن إنتاج الكهرباء من الفحم يطلق ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالغاز، وشهدت ألمانيا والمملكة المتحدة مستويات قياسية من إنتاج الكهرباء باستخدام الغاز في يناير، وهو الأعلى منذ ما قبل الحرب الروسية في أوكرانيا في أوائل عام 2022، والذي تسبب في اضطراب أسواق الغاز الإقليمية. كما سجلت هولندا وبولندا ثاني أعلى مستوى شهري للإنتاج منذ عام 2022، ما يعكس الزيادة الكبيرة في استهلاك الغاز في أوروبا مؤخراً.
أما أسعار الغاز في مركز التسعير الأوروبي (TTF) في هولندا، فقد ارتفعت بمتوسط 48.36 يورو لكل ميغاواط/ ساعة في يناير، وهو أعلى بنسبة 40% من متوسط عام 2024، و60% أعلى من مستويات يناير 2024، ليصل إلى أعلى سعر منذ فبراير 2023.
أدت القفزة في أسعار الغاز إلى تقليص هوامش أرباح شركات الكهرباء، التي تواجه ضغوطاً حكومية واجتماعية للحد من ارتفاع تكاليف الطاقة، التي شهدت زيادات أكبر في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة وآسيا خلال 2022 و2023.
وأحد الحلول المحتملة يكمن في التحول إلى مصادر إنتاج أرخص، مثل الفحم، الذي أصبح في ألمانيا وبولندا أقل تكلفة مقارنة بالغاز الطبيعي، لا سيما منذ أغسطس 2024، عندما تخطت أسعار الغاز مستوى التحول إلى الفحم.
بحسب بيانات (LSEG)، بلغ متوسط أسعار الغاز في أوروبا 6.20 يورو لكل ميغاواط/ ساعة منذ أغسطس 2024، وهو أعلى بنسبة 18% من تكلفة التحول إلى الفحم، وحتى الآن في عام 2025، اتسع هذا الفارق إلى نحو 13يورو/ ميغاواط/ ساعة، أي بزيادة 36% فوق مستوى التحول إلى الفحم.
تشير العقود الآجلة للغاز في «تي تي إف» إلى أن أسعاره ستظل أعلى من أسعار الفحم حتى عام 2026، عندما يُتوقع انخفاض تكاليف الغاز مجدداً.
وتظهر البيانات أن متوسط أسعار الغاز في 2025 سيكون أعلى بنحو 14.70 يورو/ ميغاواط/ساعة من مستوى التحول إلى الفحم، ما يشير إلى أن الشركات التي تستطيع زيادة إنتاجها من الفحم وتقليل اعتمادها على الغاز قد تتمكن من خفض التكاليف التشغيلية وتجنب المزيد من ارتفاع فواتير الطاقة للمستهلكين.
ومع ذلك، فإن أي زيادة كبيرة في إنتاج محطات الفحم قد تهدد جهود تقليل الانبعاثات في المنطقة، ما قد يثير انتقادات من الجهات الرقابية البيئية.
في المملكة المتحدة، لا تستطيع شركات الكهرباء العودة إلى استخدام الفحم بعد إغلاق آخر محطة فحم في 2024، لكن من المحتمل أن تشهد البلاد زيادة في إنتاج الطاقة من الرياح خلال الأشهر المقبلة، ما قد يقلل الحاجة إلى توليد الكهرباء من الغاز.
بصورة عامة، من المتوقع أن تسعى شركات الكهرباء الأوروبية إلى تعزيز الإنتاج من مصادر بديلة للغاز، في ظل ارتفاع تكاليفه، رغم أن محطات الغاز ستظل جزءاً أساسياً من مزيج الطاقة.