بدأت التحقيقات لتحديد أسباب انقطاع التيار الكهربائي الواسع الذي شل إسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا، مما تسبب في تعطّل القطارات وأجهزة الصراف الآلي وإشارات المرور، في واحدة من أكبر حالات انهيار الشبكة الكهربائية في أوروبا.
استبعد مشغّل الشبكة الإسبانية «ريد إلكتريكا» فرضية الهجوم السيبراني كسبب للانقطاع، إلا أن المحكمة العليا الإسبانية أعلنت عن فتح تحقيق لمعرفة الأسباب. رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، صرّح يوم الثلاثاء بأنه رغم نفي «ريد إلكتريكا» وجود أي هجوم سيبراني على أنظمتها، إلا أن ذلك لا يعني استحالة وقوع مثل هذا الهجوم.
قالت «ريد إلكتريكا» إنها رصدت حادثين لفقدان الإنتاج الكهربائي، يُرجّح أنهما من محطات شمسية، في جنوب غرب البلاد، ما تسبب في اختلال استقرار الشبكة وانقطاع الاتصال الكهربائي مع فرنسا، مما أدى إلى انهيار الشبكة التي أثرت في إسبانيا والبرتغال.
وكانت إسبانيا تصدّر الكهرباء إلى فرنسا والبرتغال وقت وقوع الانقطاع. وبلغت الصادرات إلى فرنسا أقصى طاقتها المتاحة حتى الساعة العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي. وتُظهر بيانات «ريد إلكتريكا» أن تلك الصادرات توقفت عند الساعة 12:35 ظهراً، بعدما كانت تبلغ 868 ميغاواط.
من جانبه، أعلن مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي، دان يورغنسن، يوم الثلاثاء أن الاتحاد سيفتح تحقيقاً معمّقاً في الانقطاعات التي طالت إسبانيا والبرتغال يوم الاثنين. تجدر الإشارة إلى أن الشبكة الإسبانية متصلة بشبكات فرنسا، البرتغال، المغرب وأندورا.
تشمل الأسباب الشائعة لانقطاع الكهرباء المفاجئ الذي يؤثر في عدد كبير من السكان، الظروف الجوية القاسية كالعواصف أو الصواعق أو الرياح العاتية. إلا أن الطقس كان معتدلاً وقت الانقطاع يوم الاثنين.
كما يمكن أن تحدث الانقطاعات نتيجة خلل في محطات الطاقة، أو خطوط التوزيع، أو المحطات الفرعية، أو غيرها من مكونات الشبكة. ويُحافَظ على تدفّق الكهرباء بين الشبكات الأوروبية عند تردد 50 هيرتز لضمان الاستقرار. وإذا حدث انحراف عن هذا التردد، تتدخّل أنظمة الطوارئ لفصل بعض وحدات التوليد عن الشبكة لحمايتها من الأضرار.
تُعد إسبانيا من أكبر منتجي الطاقة المتجددة في أوروبا، إذ تبلغ نسبة الطاقة المتأتية من الرياح والشمس 43%، وهي أعلى بكثير من المتوسط العالمي، بحسب بيانات مركز الأبحاث «إمبر».
وبحسب «ريد إلكتريكا»، بلغت حصة الطاقة الشمسية الكهروضوئية 59% من إجمالي الكهرباء الإسبانية وقت الانقطاع، بينما مثّلت طاقة الرياح نحو 12%، والطاقة النووية قرابة 11%، ومحطات الغاز ذات الدورة المركبة نحو 5%.
للمقارنة، في اليوم ذاته من العام الماضي، بلغت حصة الطاقة الشمسية 50%، وطاقة الرياح 3%، والطاقة النووية نحو 15%، ومحطات الغاز 11%. لكن خلال خمس دقائق فقط، بين الساعة 12:30 و12:35 ظهراً (10:30-10:35 بتوقيت غرينتش) يوم الاثنين، هبط إنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية بأكثر من 50%، من أكثر من 18 غيغاواط إلى 8 غيغاواط. ولا تزال أسباب هذا التراجع غير معروفة.
أشار خبراء ومصادر في القطاع إلى أن الشبكة الإسبانية كانت تعمل قبل الانقطاع بطاقة منخفضة من «القصور الذاتي»، أي الطاقة المخزنة في توربينات بخارية أو غازية ضخمة تدور وتولّد الكهرباء، ويمكن استخدامها فوراً لتعويض أي تقلب مفاجئ في العرض أو الطلب.
أما الطاقة الشمسية، فهي توفّر قدراً ضئيلاً من هذا القصور الذاتي. وبلغت حصة الكهرباء المولّدة من الغاز نحو 5% فقط من إجمالي الإنتاج يوم الاثنين. ومن المقرر أن تتوقف إسبانيا عن استخدام الفحم في إنتاج الكهرباء بحلول عام 2025، وقد أغلقت أكبر محطة فحم لديها العام الماضي.
عملية إعادة التيار بعد انقطاع واسع تُعرف باسم «إعادة التشغيل الباردة»، وتتم من خلال إعادة تشغيل المحطات واحدة تلو الأخرى وربطها تدريجياً بالشبكة. وخلال جهود استعادة الكهرباء يوم الاثنين، فعّلت إسبانيا مزيداً من محطات الغاز والطاقة الكهرومائية، كما زادت وارداتها من الكهرباء من فرنسا والمغرب.
أعاد انهيار الشبكة يوم الاثنين الجدل بشأن ما إذا كانت تقلبات الطاقة الشمسية والرياح تجعل الشبكات الكهربائية الإسبانية أكثر عرضة لمثل هذه الانقطاعات.
غير أن رئيس الوزراء سانشيز أكد الثلاثاء أنه لا توجد مشكلة فائض في إنتاج الطاقة المتجددة، مشيراً إلى أن الطلب كان منخفضاً نسبياً وقت الانقطاع، وأن العرض كان كافياً. من جانبه، قال المفوض الأوروبي دان يورغنسن إنه لا يمكن تحميل مصدر طاقة معيّن مسؤولية العطل.
ومع ذلك، فإن النمو السريع لمصادر الطاقة المتجددة في أوروبا يُشكّل ضغطاً على الشبكات خلال فترات ذروة الإنتاج وانخفاض الطلب، ما يؤدي أحياناً إلى تراجع أسعار الكهرباء بالجملة إلى الصفر أو حتى إلى مستويات سلبية، ويجبر بعض المحطات الشمسية على خفض إنتاجها.
ويتوقع المحللون زيادة عدد ساعات الأسعار السلبية في إسبانيا والبرتغال خلال عام 2025 بسبب التوسع المستمر في محطات الطاقة الشمسية.