يترقب المصريون قرار لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المتوقع خلال اجتماعها المرتقب في أكتوبر الجاري، والذي سيحدد أسعار الوقود الجديدة للربع الأخير من العام 2024.
ومع تسارع الخطوات الحكومية نحو رفع الدعم التدريجي عن الوقود في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، تُثار تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة لأسعار البنزين الجديدة، خاصة مع التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد والتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي وزيادات أسعار النفط في ظل التوترات بالمنطقة.
وتجتمع لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية كل 3 أشهر، لتعديل أسعار بيع بعض المنتجات البترولية في السوق المحلية ارتفاعاً وانخفاضاً وفقاً للتطور الذي يحدث لأهم مؤثرين ومحددين لتكلفة إتاحة وبيع المنتجات البترولية في السوق المحلية وهما السعر العالمي لبرميل خام برنت، وتغير سعر الدولار أمام الجنيه.
ومنذ بدء تنفيذ مصر لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي في عام 2016، رفعت الحكومة المصرية الدعم تدريجيًا عن المحروقات، وهو ما نتج عنه زيادات متتالية في أسعار البنزين والديزل.
وخلال الفترة من عام 2020 وحتى يوليو 2024، رفعت الحكومة أسعار البنزين بنسبة تتراوح بين 76% و96%. فيما ارتفعت أسعار الديزل بنسبة 70%.
ويتوقع خبيران اقتصاديان تحدثا لـ«إرم بزنس» أن تشهد أسعار البنزين زيادة جديدة خلال اجتماع لجنة تسعير المنتجات البترولية القادم، وذلك تماشياً مع السياسة الحكومية المعلنة لرفع الدعم تدريجياً عن الوقود، والتي أعلن عنها في وقت سابق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فيما رأى خبير ثالث أن التثبيت أقرب لامتصاص أي موجات تضخمية جراء رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز التي تمت خلال الأشهر الماضية.
وتسعى الحكومة المصرية إلى الوصول لمرحلة تحرير كامل لأسعار الوقود بنهاية عام 2025، ما يعني رفع الدعم بشكل كامل عن هذه المنتجات، لتخفيف الأعباء عن الموازنة العامة وتوجيه الموارد إلى قطاعات أخرى مثل الصحة والتعليم، وفق تصريحات أدلى بها أستاذ هندسة الطاقة سامح نعمان لـ«إرم بزنس».
وفي يوليو الماضي، أعلن مدبولي، خلال مؤتمر صحفي، أن بلاده تخطط لرفع أسعار المنتجات البترولية بشكل تدريجي حتى نهاية ديسمبر 2025 مراعاة لعدم الضغط على المواطن وتعرضه للضرر.
وبرر ذلك بالقول إن لتر الديزل مثلاً يُباع بـ10 جنيهات (0.21 دولار) في حين أن تكلفته تصل إلى 20 جنيهاً (0.41 دولار)، مضيفاً أن الدولة لا تملك خياراً سوى تعديل أسعار بعض الخدمات للمحافظة على الاقتصاد الوطني.
يرجّح نعمان أن ترفع لجنة تسعير المنتجات البترولية أسعار الوقود في اجتماعها المقبل بنسبة 10%، لأن تكلفة الوقود حالياً تتجاوز سعر البيع، لذا هناك اتجاه رسمي للاستمرار في رفع أسعار المحروقات وتحميل جزء من هذه التكلفة للمستهلك حتى نهاية 2025.
ومنذ بداية العام الجاري، رفعت اللجنة أسعار الوقود بمختلف أنواعه مرتين الأولى في 22 مارس، والثانية في 25 يوليو بنسب تتراوح بين 10% إلى 15%.
وبحسب الزيادة الأخيرة في يوليو، تم تحريك سعر لتر بنزين 80 من 11 جنيهاً (0.22 دولار) إلى 12.25 جنيه (0.25 دولار). كما تقرر رفع سعر لتر بنزين 92 من 12.5 جنيه (0,257 دولار) إلى 13.75 جنيه (0.28 دولار).
كما ارتفع سعر لتر بنزين 95 من 13.5 جنيه (0.27 دولار) إلى 15 جنيهاً (0.30 دولار)، وزيادة سعر لتر الديزل من 10 جنيهات (0.20 دولار) إلى 11.5 جنيه (0.23 دولار).
ما يعزز من توقعات نعمان بإقرار زيادة جديدة في سعر الوقود، هو ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي، عقب إطلاق إيران عدداً من الصواريخ الباليستية على إسرائيل، وتزايد التوترات في منطقة الشرق الأوسط خاصة في لبنان.
وعقب الهجوم الإيراني على إسرائيل الثلاثاء، قفزت أسعار النفط بأكثر من 5%، فيما سجل سعر خام برنت اليوم الخميس قرابة 75 دولاراً للبرميل، بينما سجل خام غرب تكساس 71 دولاراً، وفق بلومبرغ.
وأوضح أستاذ هندسة الطاقة، أن مصر تستورد 30% من المنتجات البترولية من الخارج، وبالتالي عند زيادة السعر العالمي سينعكس ذلك بالتأثير السلبي على ميزانية الدولة، مما يؤثر على قرار تسعير المواد البترولية من قبل اللجنة المختصة.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي كريم العمدة، أن الحكومة تلتزم بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي الذي يوصي بإزالة الدعم على الطاقة كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي، مؤكدًا أن هذا التوجه سيستمر حتى عام 2025.
ويرى العمدة في تصريحات لـ«إرم بزنس» أن زيادة الأسعار في الاجتماع المقبل أمر وارد بقوة، خاصة أن الحكومة تعمل على موازنة التكاليف المرتفعة لاستيراد الوقود مع الدعم المالي المقدم للمنتجات البترولية.
وشهدت فاتورة الدعم في مصر قفزة ملحوظة خلال العام المالي الجاري 2024-2025، حيث ارتفعت 19.3% مقارنة بالعام المالي السابق إلى 13.2 مليار دولار. وتمثل ذلك في زيادة تكلفة دعم المواد البترولية بنحو 30% إلى 3.2 مليار دولار، ودعم السلع التموينية بنحو 5% إلى 2.8 مليار دولار، كما يشير أستاذ الاقتصاد.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإن هذه الزيادات في أسعار الوقود تأتي في وقت تواجه فيه الدولة تحديات مالية كبيرة، حيث تحتاج الحكومة إلى تقليص الإنفاق العام بما فيها دعم الوقود والحد من عجز الموازنة.
وقدّر صندوق النقد الدولي، في أبريل الماضي، أن دعم الوقود في مصر يتعين أن ينخفض من 331 مليار جنيه (6.8 مليار دولار) خلال العام المالي 2023-2024 إلى نحو 245 مليار جنيه (5 مليارات دولار) خلال العام المالي 2024-2025.
ويرى العمدة أن تحرير أسعار الوقود أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لتخفيف العبء على الموازنة، ولكن أيضاً لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع الطاقة.
على الجانب الآخر، هناك من يرى أن تثبيت أسعار الوقود قد يكون الخيار الأنسب خلال الاجتماع المقبل، لا سيما بعد زيادة أسعار المحروقات مرتين منذ بداية العام ورفع أسعار الكهرباء والغاز في أغسطس وسبتمبر، وانعكاس ذلك على معدلات التضخم التي شهدت ارتفاعًا في الفترة الأخيرة.
في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة، إن زيادة أسعار الوقود قد تؤدي إلى تفاقم معدلات التضخم التي تجاوزت بالفعل مستويات عالية في الفترة الأخيرة. وإذا ارتفعت الأسعار مرة أخرى، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية على الفئات الأكثر ضعفاً.
وفي شهر أغسطس الماضي، ارتفع معدل التضخم السنوي في مصر، لأول مرة منذ 5 أشهر، إلى 26.2% من 25.7% في يوليو، متأثراً بالزيادات التي أقرتها الحكومة في أسعار الوقود والكهرباء خلال الربع الثالث.
ويضيف بدرة في تصريحات لـ«إرم بزنس» أن لجنة تسعير الوقود قد تلجأ إلى تثبيت الأسعار في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وذلك لتجنب أي تأثيرات سلبية على استقرار السوق وزيادة التضخم إلى المستويات السابقة والتي اقتربت من 40% في العام الماضي.
وتوقع بدرة أن تقوم اللجنة بعد امتصاص أي موجات تضخمية جراء رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز التي تمت خلال الأشهر الماضية، بالعودة إلى رفع الأسعار مرة أخرى تدريجياً بدءاً من الربع الأول من العام المقبل ومواصلة الزيادات حتى نهاية ديسمبر 2025، وفقاً لمستهدفات الحكومة لرفع الدعم التدريجي عن الوقود.