بينما تعيد التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية رسم خريطة تجارة النفط العالمية، تبرز الإمارات العربية المتحدة كلاعب رئيسي يسعى إلى إعادة تعريف النظام التجاري القديم، من خلال استثمارات استراتيجية، وإدارة فعّالة للأزمات، وبنية تحتية متطورة.
تسير أبوظبي ودبي بخطى واثقة نحو المنافسة مع مراكز عالمية راسخة مثل جنيف وسنغافورة. ولكن، هل سيظل مركز تجارة النفط في الغرب أم سينتقل إلى الشرق الأوسط؟
تعد الإمارات مركزاً تجارياً ولوجستياً مهماً منذ سنوات، حيث تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. ورغم كونها خامس أكبر منتج للنفط بين أعضاء منظمة «أوبك»، لم تكن الإمارات تركز كثيراً على النفط، كما ورد في تقرير لموقع (AGBI).
لكن هذا الوضع تغير بفضل استراتيجية طموحة تبنتها شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك»، التي أطلقت في عام 2020 شركتي «أدنوك التجارية» و«أدنوك للتجارة العالمية».
تمثل هاتان الشركتان محرك التحول الإماراتي في تجارة النفط. حيث تتخصص «أدنوك التجارية» في النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، فيما تركز «أدنوك للتجارة العالمية» على المنتجات المكررة.
وقد شهدت الشركتان توسعاً كبيراً، إذ انتقل عدد موظفيهما من خمسة فقط إلى أكثر من 400 موظف في غضون سنوات قليلة. وجذب هذا التوسع العديد من الشركات العالمية والإقليمية إلى الإمارات، مثل «أرامكو للتجارة» السعودية و«فيتول»، وهي أكبر شركة مستقلة لتجارة النفط في العالم، ما يعزز مكانة الإمارات كمركز رئيسي لتجارة السلع.
تعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية عاملين محوريين في جذب الكفاءات والشركات إلى الإمارات. فقد أسهمت إدارة الإمارات الناجحة للجائحة في جذب شركات وأفراد عملوا عن بُعد في البداية، قبل أن يقرروا تأسيس عملياتهم داخل الدولة.
كما أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى انتقال العديد من الشركات التي كانت تعمل من مراكز أوروبية، مثل «ليتاسكو الشرق الأوسط»، إلى دبي. وبحسب التقارير، يتم تداول أكثر من 51% من النفط الروسي الخام الآن من خلال تجار مسجلين في الإمارات.
يمنح الموقع الجغرافي للإمارات فرصة فريدة لخدمة الأسواق الشرقية والغربية، إلى جانب استثمارات ضخمة في تطوير ميناء الفجيرة ومنشآت تخزين النفط خارج مضيق هرمز.
وشدد التقرير على أن هذا التموقع الجغرافي، إلى جانب بيئة الأعمال المواتية، جعل الإمارات خياراً استراتيجياً للشركات الساعية إلى التوسع في أسواق جنوب شرق آسيا وإفريقيا.
رغم صعود الإمارات، لا تزال مراكز تقليدية مثل جنيف تحتفظ بجاذبيتها، حيث تستحوذ الشركات السويسرية على 35% من تجارة النفط العالمية. إلا أن الخبراء يرون أن البنية التحتية المتطورة، وسهولة الوصول إلى رأس المال، والبيئة التنظيمية المتميزة في الإمارات تجعلها منافساً قوياً على المدى الطويل.
ومع استمرار توسع «أدنوك» في أسواق مثل سويسرا والولايات المتحدة، يبدو أن الإمارات لن تكتفي بأن تكون مركزاً إقليمياً فقط، بل تسعى لتصدر المشهد العالمي لتجارة النفط، وفقاً لتقرير.