الجمعة 25 أبريل 2025 ص
يسعى الأردن إلى تسريع وتيرة تحوّله نحو الاقتصاد الرقمي، مستفيداً من تجارب إقليمية متقدمة كالإمارات والسعودية، حيث أرست الدولتان بنية رقمية متكاملة جعلت من الدفع الإلكتروني حجر أساس في النمو الاقتصادي والشمول المالي.
يتبلور هذا الطموح الأردني اليوم في ظل تسارع استخدام المحافظ والبطاقات الرقمية، ما يفتح باباً واسعاً نحو تحديث مالي شامل، يتطلب استثماراً ذكياً في البنية التحتية، وتعاوناً فعّالاً بين القطاعين العام والخاص، خصوصاً في بلد يشكّل فيه الاقتصاد غير الرسمي ما نسبته 45% من الناتج المحلي الإجمالي.
في لقاء خاص مع «إرم بزنس»، أكد الرئيس التنفيذي لشركة «نتورك إنترناشونال» أمجد الصادق أن الأردن يشهد تحولات ملموسة في مجال الدفع الإلكتروني، لكنه بحاجة إلى خطوات أكثر جرأة لتوسيع قاعدة الشمول المالي وتحقيق التحول الرقمي الفعلي. وأضاف: «هناك فرص هائلة يجب اغتنامها، لكننا بحاجة لتسريع الإيقاع».
يرى الصادق أن جائحة كورونا كانت نقطة انعطاف حقيقية في السلوك المالي للأردنيين، قائلاً: «شهدنا تحوّلاً مفاجئاً نحو القنوات الرقمية، فقد أصبح الدفع الإلكتروني القاعدة لا الاستثناء».
ولفت إلى وجود أكثر من 6 ملايين دفع إلكتروني اليوم في الأردن، تتنوع بين ائتمانية ومدفوعة مسبقاً، بينما تجاوز عدد المحافظ الإلكترونية 210 آلاف، بارتفاع 70% خلال أقل من عامين.
وجزم بأن هذه الأرقام تعكس ارتفاع الوعي المجتمعي، لكنها تحتاج إلى ترجمة فعلية من خلال توسيع نطاق الاستخدام اليومي في الأسواق والخدمات.
وشدد على أهمية الأثر الاقتصادي لهذا التحوّل، إذ يساعد على دمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن النظام المالي الرسمي، ما يمكّن الدولة من تنظيم السوق، مكافحة التهرب الضريبي، وزيادة الشفافية. «عندما تصبح المعاملات رقمية، تصبح مراقبة التدفقات المالية ممكنة، وهو ما يسهم مباشرة في زيادة الإيرادات العامة».
رغم ما تحقق، يرى الصادق أن التحديات لا تزال قائمة، فحوالي 38% من الأردنيين لا يمتلكون حسابات بنكية، وتواجه بعض الفئات صعوبة في التعامل مع الخدمات الرقمية، ما يبرز الحاجة إلى برامج توعية أوسع.
وأضاف: «الخدمات الحكومية الإلكترونية يجب أن تكون بسيطة وسهلة، وإلا فإننا نخاطر بفقدان شريحة واسعة من المواطنين»، مشيراً إلى أن تعقيد بعض الأنظمة الحكومية الحالية يقلل فاعلية الدفع الرقمي.
حول التجارب الناجحة في دول الخليج، قال الصادق إن الإمارات والسعودية قدمتا نموذجاً متقدماً من خلال الشراكة القوية بين القطاعين العام والخاص، وهو ما ينبغي للأردن محاكاته، وأوضح أن «الابتكار موجود في القطاع الخاص، لكنّ الأدوات التنظيمية بيد الحكومة. عند اجتماع الطرفين، تتسارع النتائج».
وتابع أن «نتورك إنترناشونال» تعمل حالياً على توسيع نطاق حلول الدفع الذكية في الأردن، عبر شراكات مع بنوك محلية ومنصات رقمية، مؤكداً أنهم يستثمرون في تقنيات الدفع عبر الهاتف، ونقاط البيع المحمولة، والتكامل مع المحافظ الرقمية.
أشار الصادق إلى أن ثقة المستخدمين في النظام الرقمي مرهونة بحمايته، وقال: «نحن نستثمر باستمرار في الأمن السيبراني، بالتعاون مع الشركاء المصرفيين والحكوميين. التكنولوجيا وحدها لا تكفي، يجب أن نضمن الأمان الكامل للمستخدم».
وعلى مستوى التوسع الخارجي، أكد الصادق أن الشركة تملك خططاً طموحة للنمو في الإمارات والسعودية، إضافة إلى اهتمامها المتزايد بالأسواق الناشئة مثل مصر والعراق. كما أبدى اهتماماً خاصاً بالسوق السورية، التي «رغم تعقيدها السياسي، قد تحمل فرصاً مستقبلية»، إلى جانب مراقبة نشطة لتطورات السوق الرقمية في إفريقيا، خاصة نيجيريا وكينيا.
اختتم الصادق حديثه قائلاً: «نحن في مرحلة مفصلية من التحوّل الرقمي في الأردن. لدينا البنية البشرية والإرادة السياسية والتجربة الإقليمية للاقتداء بها. الآن نحتاج إلى قرارات أكثر جرأة، وتنسيق أكثر عمقاً بين الفاعلين».
وأضاف: «التحوّل الرقمي ليس رفاهية، بل ركيزة أساسية لبناء اقتصاد أكثر عدالة وشفافية وكفاءة. وإذا ما أحسنّا استغلال هذه الفرصة، فإن الأردن قادر على أن يصبح مركزاً مالياً وتقنياً ريادياً في المنطقة خلال أقل من عشر سنوات».
