يشهد العراق أزمة مستمرة منذ سنوات، في قطاع الكهرباء، بلغت ذروتها خلال الأشهر الماضية، إثر انقطاع الغاز الإيراني وتوقف محطات عدة عن توليد الطاقة، ما فتح سكة البحث عن البدائل، سواء تلك السريعة والتي تشمل اتفاقاً مع تركمانستان، وأخرى بعيدة المدى.
وقال مسؤول عراقي سابق وأكاديمي بجامعة البصرة، لـ«إرم بزنس»، إن الأمر يحتاج ما بين عامين إلى 5 للسير في بدائل مرتبطة بإجراءات الربط الكهربائي مع عدة دول بالمنطقة، واكتشاف وتهيئة حقول غاز وطنية، والتوجه للطاقة المتجددة كبديل آمن ومستمر.
ويواجه العراق منذ تسعينيات القرن الماضي، أزمة في مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية، ويعتمد على استيراد الكهرباء والغاز من إيران بشكل كبير، بشكل يصل إلى 40% من احتياجاته، وسط صعوبة في سداد بغداد ثمن الواردات؛ بسبب عقوبات أميركية مفروضة على طهران.
وينتج العراق بحدود 28 ألف ميغاواط من الكهرباء، في حين أن الحاجة الفعلية للكهرباء في وقت الذروة، تصل حالياً إلى 50 ألف ميغاواط، بحسب ما ذكره مستشار رئيس الوزراء العراقي للسياسات المالية، مظهر محمد صالح، في مقابلة سابقة مع «إرم بزنس» مطلع ديسمبر الماضي.
ويشكل العراق مع روسيا وإيران والولايات المتحدة الدول ذات أكبر معدلات في حرق الغاز، فيما تنتج بغداد حالياً 3.122 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً، وفق تصريحات سابقة لوكيل وزارة شؤون الغاز، عزت صابر.
ومنذ أواخر أكتوبر الماضي، تراجعت إمدادات الغاز من إيران، إلى العراق، وحمل ذلك تأثيرات متزايدة على قطاع الطاقة، مما دفع بغداد للبحث عن بديل.
وكشف وزير الكهرباء العراقي، زياد فاضل، في تصريحات صحفية نشرت في حينه، أن الاتفاق مع الجانب الإيراني الخاص بتوريد الغاز، ويمتد على مدار 5 سنوات، يتضمن تزويد بغداد بـ50 مليوناً م3 يومياً.
لكن كمية الغاز التي وصلت البلاد في ذلك الوقت، بلغت 15 مليوناً فقط، وفق فاضل الذي أضاف: «الفارق بين ما هو مفترض وما يصلنا حالياً أدى إلى خسارة 7 آلاف ميغاواط من الطاقة».
فاضل أوضح: أن «تراجع الإمدادات قلص حجم إنتاج الطاقة في محطة بسماية من 4500 ميغاواط إلى 2000 فقط، فيما توقفت محطة الصدر الغازية، والتي كانت تولد 500 ميغاواط بسبب قلة الواردات، وكذلك توقفت محطة المنصورية التي تمنح بغداد وديالى 750 ميغاواط، وإنتاجهما صفر»، مضيفاً أن «المحطات الثلاث تعتمد على الغاز المستورد».
وكشفت وزارة الكهرباء العراقية، في بيان، أواخر نوفمبر الماضي، «توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوماً، حسب الجانب الإيراني».
وفي 11 ديسمبر الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إنه «لا تزال محطات الكهرباء متأثرة بتوقف الغاز الإيراني المستورد، والمنظومة فاقدة لأكثر من 6000 ميغاواط نتيجة ذلك».
في هذا السياق، قال المستشار الأسبق لرئاسة الوزراء العراقية في شؤون الطاقة، حمزة الجواهري، لـ«إرم بزنس»، إن تذبذب الواردات الإيرانية بهذا الشكل المستمر «ليس طبيعياً، وعدم تحديد فترة زمنية لعودته، يزيد الشكوك أن الأمر مرتبط بالعقوبات الأميركية على إيران واستخدام الغاز داخلياً بإيران في ظل الطلب الكبير عليه»، لافتاً إلى أن العراق اتجه بالفعل لتوفير بدائل.
ويتفق معه أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، الذي قال في حديث لـ«إرم بزنس»: «وقف واردات الغاز الإيراني لا يرتبط بالصيانة، خاصة وأن مدتها كانت في البداية 15 يوماً، والآن مضى أكثر من 35 يوماً، ولم تعاود إيران ضخ الغاز، لذا أصبحنا نرى فترة انقطاع كهرباء طويلة في البلاد».
ولحل المشكلة، لجأت بغداد إلى توقيع اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق، وضخ الوقود للوحدات التوليدية، بخلاف استمرار عمل المولدات لتفادي أي نقص.
وأواخر ديسمبر الماضي، كشف المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أن «الوزارة تعمل بالتنسيق مع وزارة النفط لتأمين وقود بديل إلى حين عودة إمدادات الغاز الإيراني»، لافتاً إلى «وجود عقد مع تركمانستان جار العمل على تفعيله وإتمام الإجراءات المالية بشأنه».
ثم كشف موسى، في تصريحات صحفية في 31 ديسمبر الماضي، أن «العقد مع تركمانستان لم يدخل حيز التنفيذ بعد، حيث لا تزال المفاوضات جارية لاستكمال الإجراءات المالية المتعلقة بفتح الاعتمادات وتحويل الأموال إلى الجانب التركمانستاني»، مبيناً أنه «بمجرد استلامهم المبالغ، سننتظر بدء ضخ الغاز لسد حوالي 50% من حاجة محطات الكهرباء التي تعتمد على الغاز».
وبخلاف الغاز التركمستاني الذي تبحث السلطات ضخه سريعاً، يرى حمزة الجواهري، أن العراقيين تعودوا مع تكرار أزمة الطاقة، وتذبذب الواردات الإيرانية، أن يلجؤوا إلى المولدات الكهربائية الأهلية.
وتوقع الجواهري، أن يزداد الطلب على تلك المولدات مع استمرار انقطاع الواردات الإيرانية من الغاز، مشيراً إلى أن تعويض النقص في الكهرباء بالمولدات «لن يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد».
بدوره، قال المرسومي: «أولاً سيكون الغاز التركمانستاني الذي صار هناك اتفاق أولي بشأن تزويد العراق بـ20 مليون متر مكعب، وجار بحث الاتفاق النهائي، لذلك لم يصل بعد لبغداد».
وتابع أن «البدائل المتاحة (الأخرى) تحتاج إلى فترة زمنية، ما بين 3 إلى 5 أعوام لتحقيق الاستقرار المطلوب سواء باكتشاف وتهيئة الحقول أو تسريع إجراءات الربط الكهربائي مع الكويت مثلاً، والذي من المتوقع أن يُدخل في الصيف المقبل 500 ميغاوات، وكذلك الأردن الذي ستصل منه كميات قليلة تصل إلى 54 ميغاوات».
قبل أن يضيف: «كما ينتظر العراق تفعيل إجراءات الربط الكهربائي مع السعودية، والذي ينتظر أن يوفر 1000 ميغاواط.. ولكن كل هذا لا يعوض الغاز الإيراني، لأن إيران تزود العراق بأكثر من 6100 ميغاوات من الطاقة الكهربائية».
ويقترح أن تتجه العراق سريعاً نحو المحطات الكهربائية التي تعتمد على الطاقة الشمسية، لافتاً إلى أن الحكومة العراقية تخطط في 2030 أن يكون لديها 6000 ميغاوات من هذه المحطات، ولكن حتى يأتي هذا الزمن ستكون هناك معاناة من انقطاعات الكهرباء.
ولا يستبعد أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، أن يكون هناك تأثير على الاقتصاد، خاصة وأن عدم وجود طاقة كهربائية مستمرة ومستقرة تقوض البيئة الاستثمارية الأجنبية في ظل كلفة مرتفعة للمولدات والبدائل.