logo
أسواق

عالم ما بعد هيمنة الدولار.. كيف تتغير خريطة الاستثمار؟

عالم ما بعد هيمنة الدولار.. كيف تتغير خريطة الاستثمار؟
موظفة تعرض حزمة من الأوراق النقدية المطبوعة حديثاً من فئة 20 دولاراً أميركياً أمام الزوار في مكتب النقش والطباعة التابع لوزارة الخزانة الأميركية في العاصمة واشنطن، يوم 20 يوليو 2018المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:7 أبريل 2025, 02:19 م

يعيش الدولار الأميركي لحظة فارقة قد تغيّر شكل الاستثمارات العالمية لعقود قادمة. فبعد سنوات من الهيمنة، بدأ المستثمرون يواجهون احتمالات تراجع العملة الأميركية، ما يدفعهم لإعادة التفكير في استراتيجياتهم طويلة الأمد.

مخاوف من تراجع هيمنة الدولار

تلقّت الأسواق صدمة الأسبوع الماضي، بعد أن سجّل الدولار تراجعاً حاداً أمام العملات الرئيسية، إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رسوم جمركية جديدة. هذه الخطوة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أثارت مخاوف من أن الحمائية التجارية المتصاعدة قد تقوّض الهيمنة الاقتصادية الأميركية التي بدأت بعد الأزمة المالية العالمية.

ودفعت التطورات الأخيرة مديري الأصول الدوليين، الذين يملكون تعرضاً كبيراً للأسهم الأميركية، إلى إعادة تقييم مراكزهم. كما بات المستثمرون الأميركيون، الذين طالما تجاهلوا الأسهم الأجنبية، أمام بيئة عالمية أقل تسامحاً قد تدفعهم إلى تغيير هذا النهج.

وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة «بيكتت أسيت مانجمنت» (Pictet Asset Management) السويسرية: «نعمل على افتراض أن الدولار سيتراجع بنسبة إضافية تتراوح بين 10% و15% خلال السنوات الخمس المقبلة».

أخبار ذات صلة

بعد تعريفات ترامب الجمركية.. انهيارات حادة في الأسواق الآسيوية

بعد تعريفات ترامب الجمركية.. انهيارات حادة في الأسواق الآسيوية

تعديلات دفاعية ومخاوف من ركود

بدأت بعض الشركات الاستثمارية فعلياً بإجراء تعديلات دفاعية على محافظها استعداداً لاحتمال حدوث ركود اقتصادي. وفي الوقت نفسه، بدأت التدفقات الاستثمارية تبتعد عن مجموعة «العظماء السبعة» (Magnificent Seven)، «أبل»، و«مايكروسوفت»، و«أمازون»، و«ألفابت»، و«ميتا»، و«إنفيديا»، و«تسلا»، وذلك وسط مخاوف من ارتفاع التقييمات.

وسجلت هذه الشركات مجتمعة، التي كانت المحرك الأساسي لعوائد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» خلال العقد والنصف الماضيين، نسبة سعر إلى أرباح بلغت 46 مرة بنهاية ديسمبر الماضي، وهو مستوى يجعلها عرضة للتقلبات حتى عند حدوث صدمات طفيفة.

حتى خارج قطاع التكنولوجيا، أثرت تحركات العملات على العوائد بشكل لافت. فبحسب بيانات شركة «فاكتسيت» لتحليل البيانات المالية، حقق المستثمرون الأميركيون الذين استثمروا في «ستاندرد آند بورز 500» منذ 15 عاماً عائداً إجمالياً قدره نحو 380%. أما الأوروبيون الذين استثمروا في المؤشر نفسه من دون تحوط، فقد حققوا عائداً بنحو 490%، بفضل ارتفاع الدولار بنسبة تجاوزت 20% أمام اليورو.

وعلى النقيض، فإن العوائد على الأسهم الأجنبية بدت غير جذابة بالنسبة للأميركيين، فأسهم منطقة اليورو حققت عائداً بنسبة 220% باليورو، لكن العائد بالدولار لم يتجاوز 150%. أما مؤشر «نيكاي» الياباني، فقد ارتفع بنسبة 300% بالين، لكنه منح عائداً لا يتعدى 160% للمستثمرين الذين احتفظوا باستثماراتهم بالدولار.

التلازم بين قوة الدولار والأسهم الأميركية

رغم أن قوة الدولار عادة ما تؤدي إلى تراجع قيمة الأرباح المحققة في الخارج عند تحويلها للدولار، ما يضغط على الأسهم الأميركية، إلا أن العلاقة بين العملة والأسواق لم تكن ثابتة. ففي الفترة من 2013 إلى 2019، وهي فترة ما يسمى بـ«الاستثنائية الأميركية»، تحرك الدولار والأسهم الأميركية معاً، مدعومَين بطفرة التكسير الهيدروليكي التي جعلت الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً في الطاقة، إلى جانب الإنفاق الاستهلاكي القوي.

وأدّى هذا التحول في قطاع الطاقة إلى خفض التكاليف على الشركات الأميركية، ما أسهم في تحويل الدولار إلى نوع من «العملة النفطية». وأصبح ارتفاع أسعار النفط، بدلاً من أن يكون عبئاً، دافعاً للنمو وأداء الأسواق. إلا أن هذه الديناميكية باتت مهددة الآن.

من جهته، تعهد ترامب بتقليص العجز في الموازنة الأميركية، وهو ما قد يزيد الضغوط على الدولار. كما أن سياسته الجمركية الجديدة أثارت إجراءات انتقامية من الصين، وقد تؤدي إلى ردود فعل تنظيمية من أوروبا، لا سيما تجاه شركات التكنولوجيا الأميركية.

أخبار ذات صلة

التعريفات الجمركية.. بين أرقام ترامب وحقائق الاقتصاد العالمي

التعريفات الجمركية.. بين أرقام ترامب وحقائق الاقتصاد العالمي

ضعف الدولار وتفوق الأسواق الأجنبية

أشار التقرير إلى أن الظروف الحالية تشبه، إلى حد ما، أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حين تراجع الإقبال على الأسهم الأميركية عقب انفجار فقاعة الإنترنت، وبدأت رؤوس الأموال تتجه نحو دول البريكس، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ما أسفر عن علاقة إيجابية بين ضعف الدولار وأداء الأسواق الأجنبية.

وفي مذكرة للعملاء، أشار جيف شولز من شركة «كليربريدج إنفستمنتس» (ClearBridge Investments) إلى أن الأسواق العالمية تفوقت تاريخياً عندما تراجعت الأسهم الأميركية. فقد تفوق مؤشرا (MSCI EAFE) و(MSCI) للأسواق الناشئة على «ستاندرد آند بورز 500» بهوامش سنوية بلغت 2.0 نقطة مئوية للمؤشر الأول و12.1 نقطة مئوية للمؤشر الثاني في مثل تلك الفترات.

ويُعد ضعف الدولار عاملاً مساعداً للدول النامية أيضاً، إذ يخفف من أعباء خدمة الدين. في الوقت ذاته، تحاول أوروبا سد الفجوة الاقتصادية مع الولايات المتحدة من خلال التحفيز المالي، والسياسات الصناعية، وتعزيز الاستقلالية في مجال الطاقة.

لكن الانكشاف على الأسواق العالمية لا يخلو من المخاطر، فالعالم اليوم أكثر ترابطاً تجارياً من أي وقت مضى. ولا تزال العديد من الاقتصادات، لا سيما في أوروبا وآسيا، معرضة للتقلبات في حركة التجارة العالمية، وسط تحولات في تدفق السلع الصينية الرخيصة.

أما المستثمرون الذين لا يزالون يفضلون الأسهم الأميركية، فبإمكانهم اللجوء إلى التحوط من تقلبات العملات، وهو خيار مكلف، أو توسيع تعرضهم للأسهم المقيمة بأقل من قيمتها، أو البحث عن قطاعات قد تستفيد مستقبلاً من إعادة تشكيل المشهد الصناعي.

ويُرجّح أن يفيد هذا النموذج الاقتصادي القائم على الاستثمار المحلي بدلاً من الاستهلاك منتجي المعدات الرأسمالية، مثل الشركات التي توفر حلول الأتمتة للصناعات المعاد توطينها. إلا أن هذه الشركات نفسها تتعرض لضغوط كبيرة بسبب الاضطرابات العالمية في سلاسل التوريد.

في ظل هذا الغموض، لم تعد الاستراتيجية القائمة على التنويع مجرد خيار—بل أصبحت ضرورة. ومع دخول هيمنة الدولار مرحلة جديدة من التحديات، يبدو أن قواعد اللعبة الاستثمارية العالمية تُعاد كتابتها من جديد.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC