أثار الدعم الكبير الذي قدّمه إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي «تسلا» و«سبيس إكس»، للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مخاوف بشأن تضارب المصالح المحتمل بين مصالحه التجارية ودوره المتزايد في الساحة السياسية. فقد ساهم ماسك بمبالغ مالية ضخمة، ونفوذ شخصي، لدعم حملة ترامب الانتخابية، مما أثار تساؤلات حول تأثير ذلك على سياسات الحكومة المستقبلية.
تُعد شركات ماسك، مثل «تسلا» و«سبيس إكس»، من بين المستفيدين الرئيسيين من العقود الحكومية والتنظيمات الفيدرالية. على سبيل المثال، تحصل «سبيس إكس» على عقود بمليارات الدولارات من وزارة الدفاع الأميركية، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير دعم ماسك لترامب على استمرارية هذه العقود أو زيادتها.
إضافة إلى ذلك، يواجه ماسك انتقادات بشأن محاولاته تعيين أفراد من فريقه في مناصب حكومية حساسة، مثل وزارة الدفاع، مما قد يمنحه نفوذاً غير مسبوق على القرارات الحكومية التي تؤثر مباشرة في مصالحه التجارية.
من جهة أخرى، أثار ماسك جدلاً بتصريحاته حول إنشاء «وزارة الكفاءة الحكومية» بهدف تقليص الإنفاق الحكومي وإزالة اللوائح التنظيمية التي يعتبرها معيقة للابتكار. هذه الخطط قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في السياسات التنظيمية، وهو ما يمكن أن تستفيد منه شركاته بشكل مباشر.
في هذا السياق، أرسلت السيناتور الأميركية إليزابيث وارن خطاباً إلى رئيسة مجلس إدارة شركة «تسلا»، معربةً عن قلقها بشأن الانتهاكات المحتملة لواجبات ماسك تجاه الشركة، واستخدامه لموارد «تسلا» لصالح مشاريعه الأخرى، مثل «سبيس إكس» و«إكس إيه آي».
في الولايات المتحدة، يتم تمرير تضارب المصالح المحتمل بطرق تأخذ طابعاً قانونياً وتقنياً، مما يجعل من الصعب على الجهات الرقابية والمؤسسات الحكومية التدخل المباشر. هناك عوامل عدة تسهم في هذا الأمر، منها أن القوانين في الولايات المتحدة تتسم بالتعقيد، وغالباً ما تكون قابلة للتفسير بطرق مختلفة. يمكن للشركات والأفراد ذوي النفوذ، مثل ماسك، استغلال هذه الثغرات القانونية لتمرير مصالحهم الشخصية تحت مظلة قانونية. فالتلاعب بالقوانين المعمول بها، وتوظيف فرق قانونية متخصصة، يساعدان في خلق بيئة آمنة لممارسة النفوذ بشكل غير مباشر. كما يُعتبر وجود جماعات الضغط، عنصراً أساسياً في النظام السياسي الأميركي.
هذه الجماعات، المدعومة بميزانيات ضخمة من قبل الشركات الكبرى والأفراد الأثرياء، تمارس ضغوطاً على صانعي القرار والسياسيين، لصياغة السياسات التي تخدم مصالحها. بإمكان ماسك أو غيره، استخدام جماعات الضغط للتأثير في التشريعات والتنظيمات، بما يصب في مصلحة شركاته، حيث يتم تمرير بعض القرارات واللوائح وكأنّها مدفوعة بمبررات فنية أو ضرورة إدارية، مثل الحديث عن «الكفاءة الحكومية» أو «تحسين بيئة الأعمال».
من خلال إظهار هذه الخطوات كمبادرات لتحسين الكفاءة أو خفض النفقات، يمكن للأفراد أصحاب النفوذ تحقيق مصالحهم دون إثارة الكثير من الشكوك حول تضارب المصالح.
لا ننس أيضاً النفوذ الإعلامي الذي يلعب دوراً كبيراً في هذا السياق. في بعض الأحيان، يمكن للأفراد والشركات ذات النفوذ، الاستفادة من الإعلام لتوجيه الرأي العام، أو حتى لتهدئة المخاوف حول تضارب المصالح. من خلال السيطرة على سرديات الإعلام، يمكن تحويل الانتباه إلى القضايا الإيجابية المزعومة، مثل «تعزيز الابتكار» أو «النمو الاقتصادي». وتحتاج الهيئات الرقابية إلى موارد وقدرات كبيرة لمتابعة وتعقب هذه التداخلات المعقدة، وهو ما قد يكون صعباً عندما يكون النفوذ المالي والسياسي في يد أفراد وشركات قوية.
تُبرز هذه العوامل كيف يمكن تمرير تضارب المصالح في دولة تدعو إلى المنافسة العادلة والشفافية، خصوصاً عندما يتم تغليفها بأساليب قانونية وفنية تجعل من الصعب الكشف عنها أو مكافحتها مباشرة.
تُظهر هذه التطورات الحاجة الملحة إلى مراقبة دقيقة لتجنب تضارب المصالح المغلف بالأمور الفنية والقانونية بين مصالح ماسك التجارية ودوره المتزايد في تشكيل السياسات الحكومية. فعلى الرغم من الطابع الفني والقانوني الذي قد يغلف هذا التضارب، فإن تأثير نفوذه على القرارات الحكومية يبقى مثيراً للقلق، لما قد يحمله من تداعيات على المنافسة العادلة والشفافية في السوق.