logo
مقالات الرأي

ترامب: الرئيس التنفيذي السيئ

ترامب: الرئيس التنفيذي السيئ
دونالد ترامب الرئيس الأميركي المنتخب خلال إطلاق صاروخ ستارشيب التابع لـ«سبيس إكس» في 19 نوفمبر 2024 في تكساسالمصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:6 فبراير 2025, 03:07 م

المدير التنفيذي هو القائد وحجر الأساس لنجاح أي مؤسسة أو شركة أو نظام، لكن عندما يكون الرئيس التنفيذي غير مؤهل إدارياً، ولا يمتلك فهماً اقتصادياً عميقاً، فإن الفوضى تصبح النتيجة الحتمية.

ستيف بالمر: نموذج للإدارة الفاشلة

ستيف بالمر، الذي كان أحد أسوأ المديرين التنفيذيين في التاريخ، استلم قيادة «مايكروسوفت» في الفترة من (2000-2014)، وقد شهدت الشركة خلال تلك الفترة العديد من القرارات الكارثية التي أدت إلى تراجعها في أسواق التكنولوجيا، وكادت أن تخرج من السوق لولا أن المساهمين قرروا إزاحته.

من أبرز أخطائه كانت الاستهانة بثورة الهواتف الذكية، حيث سخر من آيفون عند إطلاقه، وأبقى الشركة خارج الثورة الرقمية، ما أدى إلى خسارة «مايكروسوفت» فرصة الهيمنة على سوق الهواتف. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قرر الاستحواذ على نوكيا بقيمة 7.2 مليار دولار في وقت كانت الشركة تخسر هيمنتها في سوق الهواتف؛ بسبب ظهور الهواتف الذكية، وهو قرار أثبت فشله الذريع، حيث انهارت حصة «مايكروسوفت» في سوق الهواتف، واضطرت إلى بيع نوكيا بعد فترة قصيرة بخسائر فادحة.

بسبب هذه القرارات، فقدت الشركة الريادة في مجال الإنترنت ومحركات البحث لصالح «غوغل».

رغم أن «مايكروسوفت» بقيت قوية، إلا أن هذه القرارات كلفتها المليارات، وأخرت نموها التكنولوجي لسنوات.

هذه الحقيقة تنطبق بشكل صارخ على دونالد ترامب، الذي دخل فترته الرئاسية الثانية بأسلوب لا يقل اضطراباً عن أسلوبه في إدارة إمبراطوريته العقارية.

أخبار ذات صلة

ترامب: مليارات الدولارات سُرقت من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية

ترامب: مليارات الدولارات سُرقت من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية

رجل الأعمال ليس بالضرورة رجل الاقتصاد

ليس كل رجل أعمال (أو امرأة) ناجح بالضرورة هو خبير اقتصادي قادر على إدارة اقتصاد دولة.

فالنجاح في إدارة شركة أو بناء علامة تجارية لا يعني بالضرورة امتلاك فهم عميق للسياسات النقدية، أو التجارة الدولية، أو ديناميكيات الأسواق العالمية.

على سبيل المثال، دونالد ترامب يفتخر بكونه رجل أعمال ناجح، لكن جزءاً كبيراً من ثروته لا يعتمد على الابتكار أو الإدارة الذكية بقدر ما يعتمد على تسويق اسمه كعلامة تجارية، فقد نجح في تحويل اسمه إلى رمز فاخر، مستخدماً نفوذه لربط اسمه بالفنادق والكازينوهات، دون أن يكون هو المطور الفعلي للمشاريع. هذه المهارة في التسويق وبناء الصورة لا تعني بالضرورة امتلاكه القدرة على إدارة اقتصاد ضخم مثل اقتصاد الولايات المتحدة.

في المقابل، ينظر رجل الاقتصاد إلى المال والأعمال من منظور أوسع يشمل السياسات المالية، والتضخم، والبطالة، وأسواق رأس المال، وهي أمور تتطلب فهماً منهجياً وتحليلاً معمقاً لا يقتصر على تحقيق الأرباح الشخصية أو الترويج لعلامة تجارية. هذا الفارق يوضح لماذا قد يكون بعض رجال الأعمال ناجحين في إدارة شركاتهم، ولكنهم يفتقرون إلى المهارات المطلوبة لإدارة اقتصادات الدول.

هل ترامب رجل تسويق ناجح؟

لا شك أن دونالد ترامب استطاع بناء علامة تجارية شخصية قوية، حيث ارتبط اسمه بالفخامة والنجاح من خلال عقاراته الفاخرة وبرامج الواقع التلفزيونية. فقد نجح في تسويق اسمه بطريقة جعلت مشاريع عديدة تحمل علامته التجارية، دون أن يكون المطور الفعلي لها، ما يعكس قدرته على تحويل اسمه إلى قيمة تجارية بحد ذاتها.

لكن التسويق الناجح لا يقتصر فقط على بناء علامة تجارية شخصية، بل يشمل أيضاً القدرة على فهم القيم السوقية الكبرى والترويج الاستراتيجي طويل المدى، وهنا يظهر التناقض في نهج ترامب؛ فإذا كان بارعاً حقاً في التسويق، فلماذا لم يدرك أهمية «أميركا كعلامة تجارية»؟ وهي الدولة التي لطالما كانت الوجهة الأكثر ثقة لرؤوس الأموال في أوقات الأزمات، والتي تعتمد سمعتها الاقتصادية على استقرار مؤسساتها وثقة المستثمرين بها.

إن نجاح ترامب في تسويق اسمه لم يترجم بالضرورة إلى فهم شامل لأهمية الحفاظ على الصورة الاقتصادية لأميركا على المدى الطويل، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان مسوقاً بارعاً أم مجرد مستفيد من استراتيجيات بناء العلامة الشخصية.

البداية الفوضوية لترامب 2.0

بعد أسبوعين فقط من انطلاق ولايته الثانية، بدأت الفوضى التي وعد بها في حملته الانتخابية تتحقق، ما وضع العديد من القطاعات في حالة اضطراب غير مسبوقة، بدءاً من المعلمين والمسؤولين التجاريين وصولاً إلى الرؤساء التنفيذيين، ومن بين أبرز القرارات المثيرة للجدل حتى الآن:

• منح مجموعة من مهندسي الجيل زد، الذين اختارهم إيلون ماسك، حق الوصول إلى نظام المدفوعات التابع لوزارة الخزانة الأميركية، في خطوة أثارت تساؤلات حول محاولة الإدارة السيطرة على البنية التحتية الحكومية، بما في ذلك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).

• فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، ثم التراجع عنها بعد 48 ساعة فقط، ما أحدث فوضى في الأسواق المالية.

• اتهام الديمقراطيين وسياسات التوظيف الداعمة للتنوع بالمسؤولية عن كارثة طيران أودت بحياة 67 شخصاً، في تجاوز واضح للأعراف الرئاسية.

• إرسال بريد إلكتروني إلى مليوني موظف فيدرالي يدعوهم إلى الاستقالة بطريقة مشكوك في قانونيتها، ما أثار موجة من الغضب وعدم اليقين.

• إصدار قرار بحظر معين ثم إلغاؤه، ما جمد مئات المليارات من الدولارات في التمويل الفيدرالي، تاركاً آلاف المنظمات في حالة ارتباك.

الارتباك يقتل الثقة في الاقتصاد

إن عدم الاستقرار الإداري الذي يسببه ترامب لا يؤثر فقط على الحكومة، بل ينعكس سلباً على مناخ الأعمال، فالشركات والمستثمرون يكرهون عدم اليقين، والاقتصاد بحاجة إلى وضوح في السياسات والاستراتيجيات، وليس إلى قرارات متقلبة تجعل المستثمرين في حيرة من أمرهم حول أين ومتى يجب أن يضعوا أموالهم.

أخبار ذات صلة

ادفع كي تعبر.. «قناة بنما» تتحدى رغبات ترامب

ادفع كي تعبر.. «قناة بنما» تتحدى رغبات ترامب

ارتجالية في صنع القرار

القدرة على اتخاذ قرارات ثابتة ومدروسة تعدّ من أهم سمات القائد الناجح، لكن عندما يصبح القرار رهيناً للحظ أو للمؤثر الأخير، فإن ذلك يخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.

ولفهم هذه الارتجالية بشكل أقرب للقارئ العربي، يمكن مقارنتها بمسؤول حكومي يقرر فرض ضرائب جديدة على قطاع معين في الصباح، ثم يتراجع عنها مساءً بعد احتجاجات التجار أو حديث سريع مع أحد رجال الأعمال، أو كما لو أن مدرب فريق كرة قدم يضع خطة تكتيكية قبل المباراة، لكنه يغيّرها تماماً بعد خمس دقائق من انطلاق اللقاء بناءً على صراخ الجمهور.

هل سيسبب ترامب أزمة اقتصادية جديدة؟

لا أعتقد أن الاقتصاد العالمي سينهار بسبب سياسات ترامب وحدها، ولكن تراكم عدم اليقين والتعديات على المبادئ الاقتصادية العشوائية الدبلوماسية سيضعف الدور الأميركي كمركز للاستقرار الاقتصادي العالمي، كما أن استمرار إدارة ترامب في اتخاذ قرارات مفاجئة دون تخطيط واضح قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي، حتى وإن لم يكن بحجم الكساد الكبير في الثلاثينيات.

الخلاصة: ترامب رئيس تنفيذي سيئ لأميركا

إذا كان هناك شيء واحد نجح فيه ترامب، فهو بناء صورته كرجل أعمال بارع، رغم أن الواقع يروي قصة مختلفة. فالقيادة الحقيقية لا تتعلق فقط بالعلامة التجارية، بل تتطلب رؤية اقتصادية وإدارية عميقة، وهو ما يبدو غائباً تماماً في إدارة ترامب الثانية.

وبينما تترنح الأسواق وتتصاعد المخاوف، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: كم من الوقت ستتحمل أميركا والعالم تبعات هذا النمط من القيادة غير المنضبطة؟

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC