شهدت أسعار النفط الخام تقلبات ملحوظة خلال العام الحالي، متأثرة بمجموعة من العوامل المتداخلة، تشمل السياسات التجارية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والتغيرات في ديناميكيات العرض والطلب العالمية.
ارتفاع أسعار النفط في يناير
خلال النصف الأول من شهر يناير، ارتفعت أسعار النفط الخام بشكل كبير، مدفوعة بشكل أساس بتراجع المعروض في السوق على المدى القريب. وقد تفاقم هذا الوضع نتيجة لتشديد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وإيران.
إضافة إلى ذلك، سجّل إنتاج النفط الروسي تراجعاً ملحوظاً في شهر ديسمبر، حيث انخفضت الصادرات البحرية إلى أدنى مستوياتها منذ شهر أغسطس 2023. ويعزى هذا الانخفاض بشكل رئيس إلى زيادة عمليات التكرير المحلية، مما أدى إلى تقليل حجم النفط الخام المتاح للتصدير.
كما ساهمت الظروف الجوية القاسية، التي تمثلت في موجة برد قطبية شديدة اجتاحت عدة ولايات أميركية، في زيادة الطلب على الطاقة، مما أدى إلى سحب كبير من المخزونات الأميركية.
ومن الجدير بالذكر أن استخدام إدارة ترامب للتهديد بفرض رسوم جمركية كأداة للمفاوضات، بدلاً من تطبيقها الفعلي، قد أثر في قيمة الدولار الأميركي، والذي تعرض لمزيد من الضغوط بسبب سياسة الاحتياطي «الفيدرالي» القائمة على «الانتظار والترقب». وقد أدى ضعف الدولار الأميركي إلى تجاوز أسعار النفط الخام حاجز 80 دولاراً للبرميل في أوائل شهر يناير الماضي.
توقعات بفائض طفيف عام 2025
منذ منتصف شهر يناير الماضي، شهدت أسعار النفط تراجعاً، وذلك في ضوء توقعات وكالات التنبؤ الرئيسية بحدوث فائض طفيف في المعروض النفطي خلال عام 2025.
ووفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA)، من المتوقع أن يبلغ متوسط الطلب العالمي على النفط 1.1 مليون برميل يومياً في عام 2025، ليصل إجمالي الطلب إلى حوالي 104.2 مليون برميل يومياً.
وفي المقابل، من المتوقع أن يرتفع المعروض العالمي من النفط بمقدار 1.6 مليون برميل يومياً، ليصل إلى 104.5 مليون برميل يومياً، مدفوعاً بالزيادة المتوقعة في الإنتاج من خارج دول أوبك.
ومن المتوقع أيضاً أن تستأنف بعض الدول الأعضاء في أوبك+، مثل إيران، صادرات النفط من إقليم كردستان اعتباراً من شهر مارس. وعلى الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي لهذه المعلومات، إلا أن هذا الإجراء سيمثل تحولاً هاماً بعد تعليق العمليات الذي استمر لمدة عامين تقريباً، ومن شأنه أن يضيف حوالي 300 ألف برميل يومياً إلى المعروض النفطي العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، قد تقوم إدارة ترامب برفع العقوبات المفروضة على النفط الروسي في حال تعاونت روسيا في مفاوضات السلام.
الولايات المتحدة في صدارة منتجي النفط
حافظت الولايات المتحدة على مكانتها كأكبر منتج للنفط في العالم خلال العام 2024، حيث بلغ متوسط إنتاجها حوالي 13.2 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم في عام 2025، مدفوعاً بسياسات إدارة ترامب الداعمة لزيادة الإنتاج المحلي.
وتحولت الولايات المتحدة إلى مصدر صاف للطاقة خلال فترة ولاية ترامب السابقة، حيث انخفضت واردات النفط بنسبة 27% بين ديسمبر 2016 وديسمبر 2020. وفي المقابل، ارتفع إنتاج النفط الصخري بنسبة 64.1%، من 5.3 مليون برميل يومياً إلى 8.7 مليون برميل يومياً، على الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19.
ووقع ترامب، مؤخراً، أمراً تنفيذياً يقضي بإنشاء مجلس جديد يهدف إلى تعزيز إنتاج وتصدير الوقود الأحفوري المحلي. كما وافق على ترخيص لشركة "كومنولث للغاز الطبيعي المسال" لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وهو أول ترخيص من نوعه منذ تعليق إدارة بايدن للموافقات في أوائل العام 2024. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت إدارة ترامب عن فتح حوالي 635 مليون فدان من المياه الفيدرالية البحرية لتطوير النفط والغاز، مما يلغي الحظر الذي فرضته إدارة بايدن على عمليات التنقيب البحرية الجديدة.
تدخل أوبك+ لمواجهة تراجع الأسعار
في ظل زيادة الإنتاج من خارج دول أوبك، تواجه دول أوبك+ ضغوطاً من إدارة ترامب لخفض أسعار النفط. ويهدف هذا الإجراء إلى تقليل الإيرادات النفطية للدول المنافسة، مثل: روسيا، وإيران، وفنزويلا، وزيادة القدرة التنافسية للنفط الصخري الأمريكي في الأسواق العالمية.
ومع ذلك، لا تزال معظم دول أوبك+ ملتزمة بالحفاظ على استقرار الأسواق النفطية من خلال الالتزام بخفض الإنتاج المتفق عليه. ونتيجة لذلك، انخفض المعروض من النفط من دول أوبك الأساسية بمقدار 70 ألف برميل يومياً في شهر يناير 2025، على الرغم من أن جزءاً من هذا الانخفاض كان نتيجة لأحداث غير متوقعة، مثل الحريق الذي اندلع في أكبر حقل نفطي في العراق.
ومن المتوقع أن يؤجل التحالف الزيادة الطفيفة في الإنتاج بمقدار 120 ألف برميل يومياً، والتي كان من المقرر أن تبدأ في شهر أبريل المقبل.
الشرق الأوسط يحافظ على مكانته
في ظل حالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق النفطية، يمثل نقص النفط الثقيل فرصة لدول أوبك+، خاصة دول الشرق الأوسط.
وأدى تشديد العقوبات المفروضة على النفط الروسي إلى زيادة الطلب على النفط الثقيل من دول الشرق الأوسط، حيث اضطرت الدول الآسيوية، مثل: الهند، والصين، إلى البحث عن بدائل للنفط الروسي.
وعلى المدى القريب، من المتوقع أن تخضع المصافي في أميركا وأوروبا لعمليات صيانة، مما سيؤدي إلى تراجع الطلب على النفط.
وفي الوقت نفسه، يتزايد المعروض من النفط الخفيف منخفض الكبريت، مدفوعاً بتوسعة حقل تنغيز النفطي في كازاخستان ودخول النفط النرويجي من نوع «يوهان كاستبرغ» إلى السوق.
وأدت هذه الزيادة في المعروض إلى تمكين المنتجين من رفع الأسعار. ورفعت أرامكو السعودية، مؤخراً، سعر النفط الخام العربي الخفيف المصدر إلى آسيا بأعلى هامش منذ أغسطس 2022.
ومن المتوقع أن تؤدي المناقشات داخل أوبك+ حول تأجيل زيادة الإنتاج إلى زيادة الضغط على المعروض من النفط الثقيل، مما سيدعم ارتفاع الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي الجهود التي تبذلها إدارة ترامب لتقليل صادرات النفط الإيرانية إلى حوالي 100 ألف برميل يومياً إلى زيادة الضغط على الأسعار في منطقة الشرق الأوسط.
في الختام، من الواضح أن أي نقص في المعروض على المدى القريب أو أي تصعيد للتوترات الجيوسياسية يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. ومع ذلك، تشير التوقعات طويلة الأجل إلى احتمال حدوث فائض طفيف في المعروض، مما قد يحد من أي ارتفاع كبير في الأسعار.