الوقت يعني المال في مشهد البناء المتغير باستمرار، ولطالما كان التأخير وإعادة العمل تحديات تُعيق الصناعة، ما يؤدي إلى تجاوز التكاليف وفقدان ثقة الأطراف المعنية.
وغالباً ما تكمن جذور هذه المشكلات في البيانات المجزأة أو غير الواضحة، ومع تزايد التحول الرقمي في قطاع البناء، أصبحت أهمية البيانات الواضحة والمركزية أساسية لضمان نجاح المشاريع.
تُعد البيانات المجزأة أحد الأسباب الرئيسة وراء التأخيرات وإعادة العمل في مشاريع البناء.
وعندما تعتمد المؤسسات على أدوات متفرقة وأساليب توثيق قديمة، تنشأ فجوات في التواصل واتخاذ القرارات، ما يؤدي إلى عدم اتساق المعلومات بين الأطراف المعنية، ويسبب أولويات متضاربة وقرارات غير منسقة تؤخر الإنجازات، وتؤثر في النتائج الإجمالية.
وفقاً لتقارير، يقضي المتخصصون في البناء ما معدله 5.5 ساعات أسبوعياً في البحث عن بيانات المشروع، ما يؤدي إلى فقدان الإنتاجية وزيادة المخاطر.
كما أن 48% من إجمالي إعادة العمل في البناء تعود مباشرة إلى ضعف إدارة البيانات وسوء التواصل.
وتؤدي البيانات غير المركزية أيضاً، إلى تباطؤ عمليات اتخاذ القرار، وغالباً ما يواجه مديرو المشاريع صعوبة في الوصول إلى معلومات موثوقة ومحدثة، ما يسبب تأخيرات غير ضرورية في عمليات الاعتماد والتفتيش وحل المشكلات.
وفقاً لدراسة أجرتها شركة (McKinsey)، للاستشارات الاستراتيجية والإدارية، فإن إنتاجية قطاع البناء نمت بنسبة 1% فقط سنوياً خلال العقدين الماضيين، مع اعتبار العمليات المجزأة مساهماً كبيراً في هذا البطء.
تُعد مركزية البيانات على منصة واحدة تغييراً جذرياً لمشاريع البناء، فمن خلال إتاحة الوصول إلى معلومات موثوقة في الوقت الحقيقي، تُخفف الأنظمة المركزية من أوجه القصور الشائعة وتعزز التعاون.
ويساهم هذا الأسلوب الموحد في تقليل سوء الفهم والتأخير، إذ يضمن أن جميع أعضاء الفريق يعملون على تحقيق الأهداف نفسها.
وتوفر الأنظمة المركزية رؤى في الوقت الحقيقي حول تقدم المشروع، ما يُمكن الفرق من مراقبة المؤشرات الرئيسة، وتحديد المشكلات المحتملة ومعالجتها قبل أن تتفاقم.
وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة (Dodge Data & Analytics) للبيانات، فإن المشاريع التي تستخدم بيانات في الوقت الحقيقي تشهد انخفاضاً في التأخيرات بنسبة 20% مقارنة بالطرق التقليدية.
تعمل الأنظمة المركزية أيضاً على تحسين المساءلة من خلال توفير مصدر واحد للحقيقة، ويتم تحديد المسؤوليات والمواعيد النهائية والتقدم بشكل واضح وسهل التتبع، ما يضمن التزام جميع أعضاء الفريق بأدوارهم.
بالإضافة إلى ذلك، يُقلل التوثيق المُنظم بشكل كبير من الوقت والجهد المطلوبين لتتبع السجلات، ما يُبسط الامتثال، ويُقلل من الأخطاء.
يعزز الذكاء الاصطناعي فوائد الأنظمة المركزية بشكل كبير من خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط والاتجاهات التي قد لا تكون واضحة على الفور لمديري المشاريع.
على سبيل المثال، يمكن للتحليلات التنبؤية التنبؤ بالتأخيرات المحتملة استناداً إلى بيانات تاريخية، ما يُمكّن مديري المشاريع من اتخاذ إجراءات استباقية.
وفقاً لدراسة أجرتها شركة (PwC) للاستشارات، يمكن لتبني الذكاء الاصطناعي في البناء تحسين الإنتاجية بنسبة تصل إلى 15%، ما يوفر مليارات الدولارات سنوياً.
في أحد مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، واجه فريق البناء تأخيرات متكررة؛ بسبب التواصل المجزأ بين المقاولين الفرعيين.
من خلال تنفيذ منصة بيانات مركزية، تمكن الفريق من دمج جميع أدوات التوثيق والتواصل في نظام واحد.
مكّن هذا التكامل من تتبع التحديثات والتقدم في الوقت الفعلي، ما أدى إلى تقليل التأخيرات بنسبة 30% وتوفير ملايين الدولارات في الغرامات وتجاوز التكاليف.
في مثال آخر، واجه مشروع بناء تجاري إعادة عمل كبيرة؛ بسبب توثيق غير متسق بين فرق الموقع والمهندسين المعماريين.
ومن خلال اعتماد منصة رقمية، تمكنت الفرق الميدانية من الوصول إلى أحدث المخططات والتغييرات التصميمية في الوقت الفعلي.
وسمح هذا الوصول الفوري بحل المشكلات خلال ساعات بدلاً من أيام، ما أدى إلى تقليل إعادة العمل بنسبة 40%، وبقي المشروع في المسار المحدد، وفي حدود الميزانية، ما يبرز قيمة البيانات في الوقت الحقيقي والتواصل المُنظم.
ويتمثل مستقبل صناعة البناء في قدرتها على تسخير قوة البيانات، من خلال معالجة أخطار البيانات المجزأة واعتماد الأنظمة المركزية، يمكن للمهنيين تقليل التأخير، وتقليل إعادة العمل، وتسليم المشاريع بكفاءة أكبر.
ويعزز دمج الذكاء الاصطناعي هذه الفوائد، ما يجعل البناء المعتمد على البيانات حقيقة ملموسة.
وحان الوقت الآن لتبني التحول المعتمد على البيانات؛ لأن كل دقيقة لها قيمة في عالم البناء.