في خطوة أثارت صدمة في الأسواق العالمية، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية جديدة وواسعة النطاق على الدول التي تتمتع بفوائض تجارية مع الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، خسرت سوق الأسهم الأميركية نحو تريليوني دولار، وسط دهشة واستغراب كبيرين في أوساط المحللين.
الإدارة الأميركية، ممثلة بمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة (USTR)، قدمت شرحاً لطريقة احتساب الرسوم. وبدلاً من الاعتماد على الفروقات الجمركية الفعلية بين الدول، اختارت الإدارة الأميركية قاعدة جديدة وهي:
نسبة الفائض التجاري للدولة مع أميركا إلى إجمالي صادراتها، ثم تقسم هذه النسبة على اثنين لإنتاج ما يسمى «النسبة المخفضة».
مثلاً، الصين لديها فائض تجاري بقيمة 295 مليار دولار من إجمالي صادرات بقيمة 438 مليار دولار، أي بنسبة 68%. وبتقسيم هذه النسبة على 2، تم فرض رسوم بواقع 34%.
تنطلق هذه السياسة من فرضية مفادها أن العجز التجاري الأميركي ناتج بالضرورة عن سياسات جمركية وغير جمركية «غير عادلة» من الدول الأخرى. وحتى في حال عدم وجود رسوم واضحة، تفترض الإدارة أن هناك «تعقيدات خفية» أو «أسباباً هيكلية» تبرر فرض رسوم تعويضية.
لكن هذا المنطق لا يأخذ في الحسبان أن بعض الفروقات التجارية ناتجة عن أسباب اقتصادية طبيعية، مثل فروقات الأجور أو التخصص الصناعي. فعلى سبيل المثال، تصدّر فيتنام الملابس الرخيصة إلى أميركا، وتستثمر العوائد بالدولار في السوق المالية الأميركية. هذا تبادل اقتصادي طبيعي لا يعني بالضرورة وجود ظلم تجاري.
يسأل بعض المحللين: هل فعلاً يوجد ملايين الأميركيين على استعداد للعمل في مصانع أحذية وملابس بأجور منخفضة؟ وهل تمتلك الولايات المتحدة قدرات روبوتية لتعويض غياب تلك المصانع؟ إن لم تكن الإجابة نعم، فما الغاية من هذه الرسوم؟
الجواب قد يكون سياسياً وليس اقتصادياً. فالإدارة تسعى إلى تحقيق توازن تجاري «بالقوة»، حتى لو تعارض ذلك مع المبادئ الاقتصادية.
المثير أن مكتب الممثل التجاري استخدم معادلات معقدة تضمنت رموزاً يونانية مثل (ε) و(φ)، لإضفاء «لمسة علمية»، لكن الواقع أن هذه الأرقام مجرد رموز تؤدي إلى نتيجة مفادها: فرض رسوم بمقدار الفائض التجاري، وقد وصفها أحد الأكاديميين بأنها «غير واقعية وغير مبررة اقتصادياً»، بل هدفها الوحيد تصفير العجز التجاري، وهو أمر غير منطقي من منظور اقتصادي.
في الوقت الذي تعتمد فيه دول العالم على تخصصات اقتصادية متنوعة، تسعى إدارة ترامب إلى إعادة تشكيل ميزان التجارة العالمي عبر فرض رسوم جمركية واسعة، باستخدام معادلات مصممة خصيصاً لتحقيق الهدف المنشود. لكن يبقى السؤال: هل يدفع الاقتصاد الأميركي الثمن في نهاية المطاف؟