في تناغم ملحوظ، قام كل من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك الشعب الصيني، مؤخراً، بخفض أسعار الفائدة، مما يشير إلى تحوّل مشترك في التركيز بين أكبر الاقتصادات العالمية. وتدير هذه البنوك المركزية، معاً، أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذه التحركات المنسقة تشير إلى أنه، بينما كان التضخم هو الشاغل الرئيس خلال السنوات الأخيرة، فإن التحدي الرئيس، الآن، هو تحفيز النمو.
ويعد قطاع التصنيع مصدر قلق كبير عبر هذه الاقتصادات، حيث يواجه تحديات مستمرة. وتوضح أحدث بيانات مؤشر مديري المشتريات للقطاع التصنيعي لشهر سبتمبر هذا الأمر، إذ إن أي قراءة تحت مستوى 50 تشير إلى الانكماش. وقد سجلت الولايات المتحدة مستوى 47، بينما كان مستوى الصين 49.3، ومنطقة اليورو سجلت مستوى منخفضاً بلغ 44.8.
ما يثير الاهتمام بشكل خاص هو الوضع في ألمانيا، القوة الاقتصادية لأوروبا، إذ انخفض مؤشر مديري المشتريات فيها إلى 40.3، وهو أدنى مستوى له خلال العام الجاري. ويعكس هذا الانخفاض الصعوبات التي تواجهها قاعدة التصنيع في ألمانيا، خاصة في قطاع السيارات الذي يواجه ضغوطاً متزايدة لإعادة ابتكار نفسه.
استجابة لهذه التحديات، قدّم رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي، تقريراً شاملاً للمفوضية الأوروبية يتضمن إستراتيجية طموحة لتعزيز تنافسية الاتحاد الأوروبي. يقترح التقرير أن أوروبا بحاجة إلى استثمار سنوي يقدر بحوالي 800 مليار يورو، يتم تمويله من مصادر عامة وخاصة، لإعادة تنشيط قاعدتها الصناعية، وتعزيز النمو على المدى الطويل. ويبرز هذا الرقم الضخم تزايد الإدراك في أوروبا والولايات المتحدة والصين، بأن خفض أسعار الفائدة وحده لا يكفي. بدلاً من ذلك، يتصاعد الطلب على الالتزام بمشاريع مالية كبيرة تقودها الدول.
في الولايات المتحدة، تلعب السياسات التدخلية دوراً كبيراً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي لم يتبقّ على موعدها سوى أسابيع قليلة. وعلى الرغم من تباين سياسات المرشحَين الرئيسين فيما يتعلق بالضرائب على الشركات، والتعريفات الجمركية، والإستراتيجيات الاقتصادية الخاصة ببعض القطاعات، فإن كلاً منهما يتبنى دوراً قوياً للحكومة في توجيه الاقتصاد.
بالنسبة إلى الضرائب على الشركات، اقترح الرئيس السابق دونالد ترامب خفض المعدل الحالي من 21% إلى 15%، بينما تدعم حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس رفع المعدل إلى 28%. يعكس هذا الانقسام في سياسات الضرائب، رؤية كل مرشح للدور الذي يجب أن تلعبه الحكومة في توجيه الاقتصاد.
فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية، تبنى ترامب موقفاً عدوانياً للغاية. ففي خطاب ألقاه بولاية جورجيا، في 24 سبتمبر 2024، تعهّد بفرض تعريفات تصل إلى 20% على جميع الواردات، وتصل إلى 60% على السلع الصينية إذا أُعيد انتخابه. يقول ترامب إن هذه التعريفات ستحمي الصناعات الأميركية، وستعيد الوظائف إلى الولايات المتحدة. كما أكد الرئيس السابق على نهجه المعتمد على التعريفات الجمركية في تجمّع حاشد في ولاية ويسكونسن، حيث اقترح فرض تعريفات بنسبة 100% على الدول التي «تتخلى عن الدولار»، قائلاً إن مثل هذه الإجراءات ستمنع الدول من التخلي عن الدولار في التجارة الدولية.
إنه بالفعل، مشهد اقتصادي متباين في السياسات، وبيئة معقدة للمستثمرين. فنتائج الانتخابات الأميركية لن تحدد فقط الاتجاه العام فيما يتعلق بالضرائب على الشركات والتعريفات الجمركية، بل ستؤثر أيضاً في أولويات الاقتصاد في كلا المجلسين التشريعيين (الشيوخ والنواب).
بوجه عام، ومع تحول التركيز نحو النمو والاستثمار الكبير من قبل الدولة، تعكس السياسات التي تتبلور في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، اعترافاً أوسع بأن المبادرات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومات، قد تكون ضرورية.