"أنفا".. وجهة استثمارية تجمع بين الفخامة والتاريخ في الدار البيضاء

 لطالما كانت أنفا المنطقة التاريخية السكنية الأكثر تميزًا في مدينة الدار البيضاء المغربية، حيث يظهر في شوارعها مجموعة من المنازل على الطراز الاستعماري الفرنسي والفلل المغربية التقليدية والمباني الحديثة مع الكثير من الأراضي. ويقدم حي أنفا الساحلي مزيجًا ساحرًا من التاريخ الغني والفخامة الحديثة، مما يجعله المنطقة السكنية الأكثر فخامة في المدينة.

ولا يزال الحي المغربي التاريخي يحمل الاسم الأصلي للمدينة الساحلية، والتي كانت تسمى أنفا منذ تأسيسها حوالي القرن العاشر قبل الميلاد، وحتى القرن الخامس عشر عندما تغير اسمها إلى الدار البيضاء.

وبحسب مارك ليون، المدير التنفيذي لشركة كريستيز العقارية بالمغرب، كانت أنفا موطنًا لميناء صيد الأسماك في القرن السابع الميلادي. وقال: ”لقد فقدت بعد ذلك نفوذها حتى فترة الحماية الفرنسية. فخلال الحكم الفرنسي من 1912 إلى 1956، أصبحت أنفا واحدة من أكثر المناطق رمزية في الدار البيضاء، المعروفة بهندستها المعمارية الاستعمارية وفن الآرت ديكو، والمساحات الخضراء، ومعالم كملعب رويال جولف أنفا المحمدية، والقصر الملكي“.

باعتبارها أكبر مدينة في المغرب والعاصمة الاقتصادية والتجارية للبلاد، تتناقض شوارع الدار البيضاء الصاخبة بشكل حاد مع الشوارع السكنية الهادئة في أنفا. يقع الحي بين شاطئ البحر ومركز المدينة الحديث، ويشتهر بمواقعه التاريخية ومضمار السباق الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان وملعب الجولف المكون من تسع حفر. وتشكل أنفا، إلى جانب أحياء راسين وغوتييه، جزءًا من "المثلث الذهبي" في الدار البيضاء، حيث تقدم مزيجًا من المنازل التاريخية والحديثة، وخاصة الفلل التي تقع وسط حدائق واسعة ومورقة.

الحدود الجغرافية

يمتد حي أنفا من المحيط الأطلسي إلى تلة داخلية صغيرة. ويحدها من الشمال المحيط الأطلسي، ومن الشرق خط السكك الحديدية في المدينة وشارع 2 مارس. كما يحدها من الجنوب شارع القدس، وتمتد من الغرب إلى المدينة المالية للدار البيضاء المطورة حديثًا، وعلى طول الساحل حتى شاطئ مدام شوال.

نطاق السعر

تتراوح أسعار العقارات الفاخرة في أنفا بين 17 ألف درهم مغربي (1705 دولارات) إلى 35 ألف درهم للمتر المربع، وفقاً لفانيسا بوسكيلا، مديرة المبيعات في شركة كنسينغتون للعقارات الفاخرة في الدار البيضاء. وأضافت أن الأسعار تعتمد على حجم وموقع العقار وإطلالته، فكلما زاد حجم العقار، انخفض سعر المتر المربع، بينما تتطلب العقارات المطلة على البحر سعرًا ممتازًا.

وقالت بوسكيلا: "إن أغلى فيلا معروضة حالياً في السوق تبلغ قيمتها 80 مليون دولار أمريكي"، مضيفة أن العقارات الفاخرة في الحي تم بناؤها من قبل مهندسين معماريين مشهورين، مثل فيلا أنفا الخاصة التي صممها الأيقونة الفرنسية جان نوفيل أو فيلا كاممبرت الدائرية، التي صممها المهندس المعماري الألماني فولفغانغ إيفيرث عام 1962. وقالت إن العقارات التي كان يسكنها سابقًا شخصيات مشهورة تحظى أيضًا بطلب كبير، مستشهدة بفيلا بولوريه التي كانت مملوكة سابقًا للصناعي الفرنسي فنسنت بولوريه. 

مخزون سكني متنوع

وقال ليون إن أنفا تقدم مجموعة متنوعة من المساكن الفاخرة، بما في ذلك المباني الاستعمارية الفرنسية، والفلل المغربية التقليدية، والمباني الحديثة على قطع أراض واسعة، معظمها بها حمامات سباحة. ويشتهر الحي أيضًا بفن الآرت ديكو التجريبي والفلل الحديثة التي صممها مهندسون معماريون مغاربة وعالميون بارزون.

وأضاف أن أنفا تنقسم إلى أربع مناطق سكنية، أكثرها تميزا هي أنفا سوبريور، التي تقع على تلة بالقرب من ملعب الغولف، والقصور الملكية، ومنازل الأعيان المغاربة، وتعتبر الأكثر شعبية مع عقارات نادرة للغاية معروضة للبيع بثمن باهظ. وأوضح أن المنطقة توفر مستويات عالية جدًا من الخصوصية والأمان، ”لا توجد مرافق تجارية قريبة منها، فالمنطقة سكنية فقط ومعزولة عن المدينة. لن تجد إشارة مرور واحدة هناك“.

وأضاف: ”من المناطق السكنية المتميزة أيضا أنفا إنفيريور، وهي منطقة تقع عند سفح التل، ويحدها بوليفارد أندريه ماسيه وبوليفارد كينيدي". كما يضم الحي منطقة أنفا راحة، وهي امتداد لأنفا تم دمجها منذ حوالي 15 عامًا، وتوفر عقارات بمساحات كبيرة جدًا من الأراضي، تبدأ من 2000 متر مربع.

ويميل السكان الذين يفضلون بيئة أكثر حداثة على الأرجح إلى موقع المطار القديم في المدينة، الذي تم إعادة تصويره كمنطقة أعمال تُسمى مدينة الدار البيضاء المالية، والتي تقدم شققًا عصرية فاخرة.

خصائص أنفا الفريدة

يعد قرب أنفا من الواجهة البحرية ومركز المدينة عامل جذب كبير. فبحسب بوسكيلا: "يبعد البحر والكورنيش ومعالمه بضع مئات من الأمتار سيراً على الأقدام". ويتميز الحي أيضًا بشوارعه السكنية الهادئة والمورقة بشكل فريد، حيث يمكن رؤية السكان في كثير من الأحيان وهم يمارسون رياضة الجري. كما يوفر الحي الكثير من المساحات الخضراء، بما في ذلك حديقة أنفا التي تبلغ مساحتها أكثر من 100 فدان، والتي تقع في المدينة المالية بالدار البيضاء، وجامعة الدول العربية ذات الموقع المركزي، الذي يتميز بصف من نوافيره الرائعة. وقد تم بناء المضمار التاريخي للخيل (هيبودروم كازابلانكا أنفا) في عام 1912، ولا تزال الخيول تتنافس على طول مساره الرملي.

وتشمل المعالم التاريخية في الحي منارة الحنك التي توفر مناظر خلابة للمدينة والبحر، ومسجد الحسن الثاني، أحد أكبر المساجد في أفريقيا مع مساحة لاستيعاب أكثر من 100.000 مصلٍ، وساحة محمد الخامس، المعروفة باسم ساحة الحمام نظرًا لكثرة الحمام فيها، وكاتدرائية الدار البيضاء، التي تم بناؤها في عام 1930، وهي اليوم بمثابة مركز ثقافي يستضيف المعارض والفعاليات الفنية.

 وسائل الراحة الفاخرة

وقال ليون: "تضم أنفا حدود المحيط الأطلسي والعديد من المطاعم والنوادي الخاصة على الكورنيش. ومن جهة المدينة، تم إنشاء عدة عيادات طبية فائقة الحداثة تجذب المرضى المحليين والدوليين. كما تقدم المنطقة أيضًا بعضًا من أفخر فرص التسوق الفاخر في المدينة، مع توافر مجموعة واسعة من العلامات التجارية العالمية الراقية في مول المغرب ومول أنفا-بليس“.

وقالت بوسكيلا: "الرياضة الأكثر شعبية في الحي هي الجولف“، مضيفة أن نادي رويال جولف أنفا المحمدية يحظى بشعبية ليس فقط بمساحاته الخضراء الممتدة ولكن أيضًا بمطعمه، حيث يجتمع أعضاء النادي في المساء.

التركيبة السكانية

بمنازلها الفخمة وتدابير الأمن المشددة والخصوصية، تجتذب أنفا رجال الأعمال والسياسيين، بحسب بوسكيلا. وعلى مر السنين، وفقا لليون، كانت بمثابة نقطة التقاء لشخصيات مؤثرة في اجتماعات دولية كبرى، أبرزها في عام 1943 عندما حدد فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل والجنرالان الفرنسيان هنري جيرو وشارل ديغول استراتيجية الحلفاء لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية“.

سكان بارزون

ومن بين السكان البارزين الحاليين وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الجديدة السابق مولاي حفيظ العلمي وعائلته؛ ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب شكيب لعلج؛ وستيف أوهانا، رئيس مجلس الأعمال المغربي الإسرائيلي، بحسب بوسكيلا.

التوقعات

أدى التفرد الذي تتمتع به أنفا إلى إبقاء أسعار العقارات مرتفعة، وهو الاتجاه الذي اشتد منذ جائحة كوفيد-19. وقالت بوسكيلا: “منذ تفشي الجائحة، ارتفعت الأسعار، إذ لم تكن مرتفعة إلى هذا الحد من قبل”. ويضمن ارتفاع الطلب ومحدودية المساكن بقاء الأسعار مرتفعة مقارنة بالمناطق الأخرى في المدينة، وأضافت: "تُظهر المنتجات الفاخرة نفس السلوك في جميع أنحاء العالم. فالأحداث العالمية غير المستقرة لا تؤثر على سعر حقيبة هيرميس أو سيارة فيراري".