وسط توقعات متفائلة وخطط توسعية للمطورين، تبرز ملامح جديدة تنبئ بمرحلة واعدة لقطاع العقارات المصري الذي يعد إحدى أهم ركائز الاقتصاد الوطني.
هذا القطاع الذي يساهم بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، يتوقع أن يصل حجمه إلى 30.34 مليار دولار بحلول عام 2028، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ 10.96%، وفقاً لبيانات موقع «موردور إنتلجنس».
وبحسب خبراء عقاريين، يستعد السوق العقاري في مصر للاستفادة من عدة عوامل داعمة لنموه، مثل التوجه المتوقع لخفض سعر الفائدة، وإصلاحات قانون الإيجارات القديمة، بالإضافة إلى استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري.
وهذه العوامل مجتمعة تعزز جاذبية القطاع كوجهة استثمارية، في وقت يشهد فيه السوق طلباً متزايداً على العقارات، ما يفتح الأبواب أمام فرص جديدة رغم التحديات المرافقة.
وفي هذا الصدد، يتوقع رئيس لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال المهندس فتح الله فوزي، أن يواصل القطاع العقاري نموه خلال العام الجاري، بعدما حقق مبيعات كبيرة في 2024 خلافاً لتحذيرات البعض من حدوث فقاعة عقارية.
وفي حديث مع «إرم بزنس» يتوقع فوزي أن يشهد القطاع زيادة في الطلب على العقارات في الفترة القادمة نتيجة لرغبة المواطنين في الحفاظ على مدخراتهم واستثمارها في الأصول العقارية التي تعد الأكثر أماناً في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
ويعتبر أن أسعار العقارات حالياً مستقرة، ولكنها من المحتمل أن تشهد زيادة في حال حدوث ارتفاع في الدولار مقابل الجنيه وزيادة في تكلفة الإنشاءات نتيجة ارتفاع تكلفة الأراضي ومواد البناء، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بأسعار الطاقة والنقل.
وارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري متجاوزاً 5% خلال الأسابيع الأخيرة، ليصل متوسط سعره في البنك المركزي، اليوم الأحد، إلى 50.24 جنيه للدولار.
ورغم توقعات النمو المتفائلة، يشير فوزي إلى أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه السوق العقاري هذا العام، من أبرزها تأخر تسليم المشروعات من بعض الشركات العقارية، وهي مشكلة يجب التعامل معها بحسم.
ويطالب بضرورة تنظيم السوق بشكل أكبر لحماية حقوق المشترين، مشيراً إلى ضرورة تفعيل قرار الحكومة بوجود حساب ضمان لكل مشروع عقاري لضمان تسليم الوحدات في مواعيدها.
وفيما يتعلق بمبادرة تصدير العقار، يشير فوزي إلى أن المبادرة ما زالت في مراحل التطوير، مع وجود مشكلة كبيرة تتعلق بتسجيل الوحدات العقارية، وهو ما يعوق التصدير إلى الأسواق الخارجية، محذراً من أن هذه المشكلة يجب أن تجد لها حلولاً سريعة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
بدوره، يتوقع رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المهندس طارق شكري، أن يستمر الإقبال على الوحدات العقارية في النمو خلال العام الجاري، وذلك بفضل الميزة التنافسية التي يتمتع بها سوق العقارات المصري، خاصة للمصريين المقيمين بالخارج والمواطنين في دول الخليج.
وينبه إلى أن انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية يسهم في تعزيز القوة الشرائية لهذه الفئات، التي تستحوذ على نحو ثلث المبيعات العقارية بالسوق المصري خلال الفترة الأخيرة بفضل الزيادة في القوة الشرائية الناتجة عن تراجع العملة المصرية.
وتتوقع «فيتش سوليوشنز» أن يتم تداول الجنيه المصري بين حوالي 50 و55 جنيهاً مقابل الدولار الأميركي في عام 2025.
ويوضح شكري أن مدينة القاهرة الجديدة تظل في مقدمة المدن التي تشهد أكبر حركة مبيعات للوحدات السكنية الأولى في مصر، تليها مدينتا الشيخ زايد والسادس من أكتوبر بالنسبة نفسها.
ويشير رئيس غرفة التطوير العقاري إلى أن هذه المدن الثلاث تستحوذ مجتمعة على حوالي 70% من إجمالي الطلب العقاري في السوق المصري.
أما فيما يتعلق بسوق العقارات في منطقة الساحل الشمالي، يوضح شكري أن هذه المنطقة تحظى بالحصة الأكبر من المبيعات، خاصة بعد مشروع رأس الحكمة وتدشين مدينة العلمين الجديدة. ويرى أن هذه المشروعات أسهمت في جذب شريحة واسعة من مواطني دول الخليج، لا سيما من السعودية والإمارات، للاستثمار في العقارات المصرية.
وباعتقاد شكري، فإن هذا الإقبال الكبير دفع العديد من الشركات العقارية إلى التنافس على إقامة مشروعات جديدة لتلبية الطلب المتزايد، لدرجة أن الأراضي في الساحل الشمالي أصبحت نادرة.
وبحسب رئيس غرفة التطوير العقاري، تجاوزت مبيعات العقارات في مصر خلال العام الماضي 2.5 تريليون جنيه (49.2 مليار دولار) صعوداً من 1.5 تريليون جنيه (29.5 مليار دولار) في العام 2023، بنسبة نمو تخطت 65%.
ويتوقع شكري ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 15% في 2025، نتيجة لزيادة تكلفة البناء؛ بسبب ارتفاع سعر الدولار، وارتفاع أسعار مواد البناء لزيادة أسعار المحروقات، وارتفاع أجور العاملين في القطاع العقاري مع زيادة الطلب عليهم نتيجة التوسع في الإنشاءات.
في حين يعتبر محلل قطاع العقارات بشركة العربي الإفريقي للأوراق المالية محمود جاد، أن الزيادات المرتقبة في قانون الإيجارات القديمة، سيؤدي إلى تحرير عدد كبير من المساكن التي كانت خارج نطاق التداول، مما يزيد العرض المتاح، ويعزز حركة البيع والشراء في السوق.
ويرى جاد خلال حديثه مع «إرم بزنس»، أن هذا الوضع سيحفز الشركات العقارية والمطورين على الاستثمار في وحدات سكنية جديدة لتلبية الطلب المتوقع من الفئات المتأثرة من القانون ورغبتها في تملك مسكن بدلاً عن الإيجار.
وتظهر بيانات البورصة المصرية، ارتفاع أرباح أكبر 10 شركات عقارية مدرجة في البورصة، حيث بلغت نحو 30 مليار جنيه خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2024، مقارنة بـ13 مليار جنيه فقط خلال الفترة نفسها من العام 2023.
وفيما يتعلق بتأثير توقعات خفض سعر الفائدة في 2025، يوضح المحلل العقاري، أن أي توجه نحو تخفيض الفائدة سيزيد جاذبية الاستثمار العقاري، باعتباره أحد أكثر الأصول أماناً وأعلاها عائداً على المدى الطويل.
ويتوقع محمد الإتربي، رئيس البنك الأهلي، أحد أكبر البنوك المصرية، انخفاض أسعار الفائدة بنسبة تتراوح بين 3 إلى 6% خلال العام الجاري.
ويرى جاد أن هذا التراجع سيشجع المستثمرين على التخلي عن شهادات الادخار البنكية، وتوجيه استثماراتهم نحو الأصول العقارية للتحوط من تراجع الفائدة وتقلبات سعر الصرف. كما يشير إلى أن خفض الفائدة سوف يؤدي إلى تراجع تكاليف التمويل العقاري، وبالتالي جذب شريحة كبيرة من المواطنين للاستفادة من القروض العقارية، مما سيدعم من الطلب على العقارات.