تواجه بيتكوين، العملة الرقمية الأكثر شهرة عالمياً، تهديداً متزايداً وغير ملحوظ يتمثل في تطور تقنيات «الحوسبة الكمومية». هذه التقنية الناشئة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى اختراق التشفير الذي يضمن أمان «بيتكوين» (Bitcoin) والعملات الرقمية الأخرى، مما قد يتسبب في خسائر مالية كارثية.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أثارت التطورات الأخيرة، مثل إعلان «غوغل» عن تحقيق تقدّم في شريحة الحوسبة الكمومية الخاصة بها «ويلو» (Willow)، مخاوف متجددة بشأن قدرات هذه التقنية وإمكاناتها المستقبلية.
«الحوسبة الكمومية هي مجال متعدد التخصصات يشمل جوانب علوم الكمبيوتر والفيزياء والرياضيات التي تستخدم ميكانيكا الكم بهدف حل المشكلات المعقدة بسرعة أكبر من أجهزة الكمبيوتر التقليدية»، بحسب تعريف «خدمات أمازون ويب».
رغم أن الحواسيب الكمومية القادرة على اختراق بيتكوين قد لا تُصبح واقعاً قبل عقد أو أكثر، يحذر الباحثون والمحللون من أن التقدم السريع في هذا المجال قد يؤدي إلى انقلاب في سوق العملات الرقمية ما لم تُتخذ تدابير استباقية لحمايتها.
يمكن لاختراق مدعوم بالحوسبة الكمومية أن يمكّن مجرمي الإنترنت من استغلال ثغرات «بيتكوين»، وسرقة الأموال من المحافظ الرقمية، مما يؤدي إلى تقويض الثقة بالشبكة. ووصف آرثر هيرمان، الباحث الرئيسي في معهد «هادسون» البحثي، هذا التهديد بـ«القنبلة الموقوتة»، محذراً من أن هجوماً ناجحاً قد يتسبب في تدمير سوق العملات الرقمية والنظام المالي الأوسع.
وقدرت دراسة صادرة عن المعهد عام 2022 أن اختراقاً كمومياً لـ«بيتكوين» قد يؤدي إلى خسائر تفوق 3 تريليونات دولار، مما قد يزعزع استقرار الأسواق المالية التقليدية، ويتسبب في ركود اقتصادي حاد.
منذ نشر الدراسة، شهدت «بيتكوين» ارتفاعاً كبيراً في قيمتها، حيث اقتربت من حاجز 100 ألف دولار، مما عزز مكانتها كأصل استثماري رئيسي، وزاد حجم الأضرار المحتملة لأي اختراق مستقبلي.
وتضيف الطبيعة اللامركزية لـ«بيتكوين» تعقيداً إلى قدرتها على التعامل مع مثل هذا التهديد، وفقاً للتقرير، حيث يتطلب أي تحديث تكنولوجي كبير توافقاً واسعاً بين مجتمع المطورين وأصحاب المصلحة على مستوى العالم، وهي عملية معروفة ببطئها وصعوبتها.
على عكس أجهزة الكمبيوتر التقليدية التي تعالج البيانات باستخدام النظام الثنائي (صفر وواحد)، تعتمد الحواسيب الكمومية على «الكيوبتات»، التي يمكن أن توجد في حالات متعددة في الوقت ذاته.
هذه الخاصية تتيح لها إجراء حسابات معقدة بسرعة غير مسبوقة، مما يمكنها من أداء مهام مثل اكتشاف الأدوية المتقدمة والتنبؤ بالطقس. والأهم من ذلك، يمكن لهذه الحواسيب كسر التشفير المستخدم لحماية البيانات الحساسة.
في المقابل، تعتمد «بيتكوين» على التشفير بمفاتيح عامة، الذي يستخدم أزواجاً من المفاتيح لتأمين المعاملات. وبينما يمكن مشاركة المفاتيح العامة بشكل مفتوح، تبقى المفاتيح الخاصة سرية وأساسية للوصول إلى الأموال. وتعتمد قوة هذا التشفير على صعوبة «التحليل إلى عوامل»، وهي عملية تحديد العددين الأوليين اللذين يمكن ضربهما لإنتاج المفتاح العام.
بالنسبة للحواسيب التقليدية، يعتبر التحليل إلى عوامل للأرقام الكبيرة شبه مستحيل ضمن إطار زمني معقول. ولكن، يمكن للحواسيب الكمومية استخدام خوارزمية متخصصة تُعرف باسم «خوارزمية شور»، التي ابتكرها عالم الرياضيات الأميركي في عام 1994، لتحليل الأعداد الضخمة في دقائق. هذه القدرة تجعل من الممكن فك التشفير واستخراج المفاتيح في وقت قصير، مما يهدد فعالية إجراءات الأمان الحالية لـ«بيتكوين».
أكد التقرير أن آثار أي هجوم كمومي تتجاوز العملات الرقمية، حيث تعتمد العديد من أنظمة البنوك التقليدية والمنصات الآمنة عبر الإنترنت أيضاً على التشفير باستخدام المفاتيح العامة. ومع ذلك، فإن الطبيعة اللامركزية وغير المنظمة لـ«بيتكوين» تجعلها عرضة بشكل خاص لهذا النوع من الهجمات.
قال سكيب سانزيري، المؤسس المشارك لشركة «كيو سكيور» (QuSecure) المتخصصة في الأمن السيبراني الآمن كمومياً: «بيتكوين هدف واضح. البنوك تخضع للتنظيم، ولديها خطط طوارئ، ويمكنها تعويض عملائها. أما بيتكوين، فهي تعمل في بيئة غير منظمة حيث يتحمل أصحاب المحافظ المسؤولية الكاملة عن أي سرقة».
إلى جانب ذلك، لن يقتصر أي اختراق كمومي على إلحاق الضرر بـ«بيتكوين» فقط، بل سيزعزع الثقة بسوق العملات الرقمية بأكملها. وعلى عكس الهجمات التقليدية التي غالباً ما تستغل نقاط الضعف في منصات التداول، يمكن للهجوم الكمومي أن يقوض سلامة شبكة بيتكوين بالكامل، مما يتسبب في أضرار نظامية.
أشار التقرير إلى أن بعض حيازات «بيتكوين» قد تكون أكثر عرضة للهجمات الكمومية. ويشمل ذلك العناوين القديمة لـ«بيتكوين» ذات المفاتيح العامة المكشوفة، والتي تكون معرضة للخطر بشكل خاص، بما في ذلك المحافظ التي يُعتقد أنها تخص ساتوشي ناكاموتو، مبتكر «بيتكوين» الغامض.
ووفقاً لشركة «غلاكسي ديجيتال» (Galaxy Digital)، المتخصصة في مجال الأصول الرقمية والبلوكشين، يتم تخزين نحو 1.72 مليون «بيتكوين»، بقيمة تتجاوز 160 مليار دولار بأسعار اليوم، في هذه العناوين. وحتى «بيتكوين» المخزّن في عناوين محدثة وآمنة قد يكون عرضة للخطر في أثناء عمليات النقل، التي تستغرق نافذة مدتها 10 دقائق لتأكيدها على الشبكة.
يرى الخبراء أنه لا يزال هناك وقت كافٍ لتعزيز دفاعات «بيتكوين»، حيث تُطَوَّر أساليب تشفير جديدة قادرة على مقاومة الهجمات الكمومية. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن تنفيذ هذه الحلول في إطار بيتكوين اللامركزي سيحتاج إلى تنسيق وجهد كبيرين.
تتضمن عملية تحديث تقنية بيتكوين لتكون مقاومة للهجمات الكمومية خطوتين أساسيتين: أولاً، اعتماد أساليب تشفير جديدة، وثانياً، تحويل العملات الحالية إلى محافظ آمنة كمومياً. وستتطلب هذه الخطوات مشاركة نشطة من جميع حاملي بيتكوين، مما يزيد تعقيد العملية.
وأوضح إمين غون سيرير، مؤسس عملة «آفالانش» (Avalanche)، إن التهديد الكمومي موجود، لكنه ليس وشيكاً. وقال: «بالتأكيد هناك نهاية العالم الكمومية في الأفق، لكنها بعيدة بما يكفي لإعطاء مجتمع العملات الرقمية الوقت الكافي للتحرك».