أصبح الذكاء الاصطناعي محور اهتمام غالبية حكومات الدول المتقدّمة، نظراً لإدراكها أننا نعيش حقبة جديدة ستغيّر ملامح المستقبل، رغم أن مخاطرها لا تزال قيد الاستكشاف.
وقد استحوذ الذكاء الاصطناعي، ودوره في تعزيز سوق الاقتصاد الرقمي العالمي، على معظم نقاشات وجلسات النسخة الثالثة من الكونغرس العالمي، التي عُقدت في العاصمة أبوظبي على مدى ثلاثة أيام متواصلة.
ركز المشاركون على دور الكونغرس في تحفيز الاقتصاد الإعلامي، وتوسيع الشراكات الإعلامية، وتنظيم السوق، إلى جانب تطوير محتوى تسويقي رقمي، واستعراض أثر المحتوى الرقمي في تشكيل الهويات الاجتماعية وتغطية أبرز الأحداث العالمية.
وأجمع المشاركون على أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً محورياً في رسم ملامح مستقبل الإعلام العربي، ومع تزايد تبني التكنولوجيا والحلول الرقمية في مختلف القطاعات، يُتوقع أن يفتح ذلك آفاقًا واسعة لنمو الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. هذا النمو سيعزز التنافسية الاقتصادية ويحفّز الابتكار.
تتجلى أهمية الاقتصاد الرقمي العربي في قدرته على تحفيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل، وتعزيز الابتكار، وتسهيل التجارة، وتقديم خدمات حكومية أكثر سرعة وكفاءة. كما يسهم في تقليص الفجوة الرقمية بين الدول العربية وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وفقاً لموقع (The Business Research Company) شهد استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام الترفيهي نمواً كبيراً، حيث ارتفعت قيمته من 13.79 مليار دولار في عام 2023 إلى 17.65 مليار دولار في عام 2024، بمعدل نمو 28%.
وفي هذا السياق، أكد محمد عبد الظاهر، الرئيس التنفيذي لصحافة الذكاء الاصطناعي، أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً بارزاً في دعم الاقتصاد الرقمي العالمي.
وذكر في تصريحات لـ«إرم بزنس»، على هامش فعاليات اليوم الثالث من الكونغرس، أن حجم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام الرقمي والترفيه العالمي (M&A)، يُتوقع أن يصل إلى 60 مليار دولار في 2024، مع إمكانية بلوغ 165 مليار دولار بحلول عام 2032، وفقًا لتقرير أولي من المؤشر العالمي لصحافة الذكاء الاصطناعي (GAIJI) لعام 2024، وهو المؤشر الأول من نوعه عالمياً لرصد وتحليل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج ونشر وتسويق المحتوى الإعلامي.
وأضاف عبد الظاهر، استناداً إلى بيانات المؤشر لعام 2023، أن مساهمة الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام الترفيهي الرقمي بلغت 15 مليار دولار، في حين بلغ عدد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في صناعة المحتوى 450 ألف تطبيق في 2023، مقارنة بـ650 ألف تطبيق في العام الحالي، مما يعكس نمو السوق وتوسّعه، ويدعم نمو الاقتصاد الرقمي العربي.
يعد الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي من المحركات الرئيسية للنمو في العالم العربي. وبحسب المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي لعام 2024، ضم التقرير 11 دولة عربية من بين 83 دولة شملها التحليل.
أظهر تقرير أطلقته «تورتويس إنتليجينس» منذ عام 2019 تقدّم بعض الدول العربية في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي. التقرير، الذي يعتمد على تحليل الاستراتيجيات الوطنية وحجم الإنفاق الحكومي عبر 122 مؤشراً فرعيًا، يغطي مجالات الاستراتيجية الحكومية، البيئة التشغيلية، البنية التحتية، الأبحاث والتطوير، الكفاءات، والتجارة، معتمداً على بيانات من القطاعين العام والخاص.
ويأتي ترتيب الدول العربية في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي لعام 2024 كالتالي:
على الصعيد العالمي، حافظت الولايات المتحدة والصين على ريادتهما بفارق كبير عن بقية الدول. إذ جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، تليها الصين في المرتبة الثانية، مما يعكس شدة التنافس بين القوتين العظميين في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي ظل هذا التطور المتسارع، أصبح الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية لتشكيل مستقبل كان يُعتبر يوماً ما ضربا من الخيال العلمي. من الخوارزميات المتطورة التي تساهم في تفاعلاتنا الرقمية اليومية، إلى المركبات ذاتية القيادة والروبوتات المتقدمة، تشير التوقعات إلى وصول حجم الإنفاق العالمي على أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى حوالي 300 مليار دولار بحلول عام 2026.
يُعد قطاع الإعلام والتسويق جزءاً رئيسياً من قطاع الخدمات في الاقتصادات الحديثة، لكنه بات في عصر الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً حيوياً في تعزيز قدرات الاستثمار، والإنتاج، والتشغيل، إضافةً إلى دوره في تعزيز المكانة الاقتصادية للدول على المستويين الإقليمي والدولي.
ومع التقدم التكنولوجي السريع، أصبحت مواكبة الإعلام للتقنيات الحديثة في الذكاء الاصطناعي عاملًا أساسياً في خلق تيارات مستمرة من المنافع الاقتصادية. هذه المنافع تعزز الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالإعلام والتسويق الرقمي، مما يسهم في تحقيق مكاسب ملموسة تشمل تحسين الإنتاجية، توجيه الموارد بكفاءة، وزيادة القدرة التنافسية على المستوى العالمي.
وفي السياق، أكدت اليازية الحوسني، مديرة إدارة الإعلام بمركز تريندز للدراسات والبحوث، أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد العالمي أصبح واقعاً لا يمكن إنكاره.
وفي تصريحاتها لـ«إرم بزنس» على هامش الكونغرس العالمي للإعلام في أبوظبي، أوضحت أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح قاطرة حقيقية تقود التنمية في مختلف القطاعات.
وأشارت الحوسني إلى أن الإعلام والتسويق يسهمان بشكل مباشر في زيادة الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات الأتمتة في إنتاج المحتوى الإعلامي المادي والرقمي. هذا التحول يدفع إلى تخصيص الموارد بكفاءة، ما يعزز من الإنتاجية الاقتصادية، ويعمل على دعم قدرات التسويق المحلي والدولي. النتيجة هي جذب الاستثمارات الأجنبية، تحسين السمعة الاقتصادية، وزيادة القوة الناعمة للدول عالمياً.
يأتي احتضان أبوظبي للكونغرس العالمي للإعلام، الذي يركز على تعزيز التواصل، دعم الروابط التجارية العالمية، وإعادة ابتكار العلامات التجارية في المشهد الإعلامي الجديد، كخطوة رئيسية نحو تعزيز مكانتها كمركز عالمي للإعلام.
هذا الحدث يسهم في جذب أهم القنوات الفضائية ووسائل الإعلام العالمية إلى أبوظبي، مما يدعم نمو رأس المال البشري في مجالات الإعلام الجديد، ويسهم في تطوير عمليات صناعة المحتوى التسويقي والإعلاني. كما يوفر فرصاً استثمارية مربحة تتركز في قطاع الإعلام الرقمي، ويعزز الدمج بين الإعلام الجديد والذكاء الاصطناعي لدعم التعاون الدولي والتواصل العالمي.
ومن خلال هذه التحولات، يكتسب الإعلام الرقمي في عصر الذكاء الاصطناعي دوراً استراتيجياً في رسم ملامح الاقتصاد المستقبلي. هذه الديناميكية تضمن نمواً متسارعاً في القطاعات المتصلة بالإعلام والتسويق، مما يعزز من مكانة الدول في الاقتصاد العالمي ويفتح آفاقاً جديدة للابتكار والتنمية.