تشهد دول الخليج العربي تحولاً جذرياً في طريقة إدارة المعاملات المالية، إذ تسعى بقوة لتبني تقنيات الدفع الرقمي والتقليل من الاعتماد على النقد الورقي.
تأتي هذه الجهود كجزء من رؤية اقتصادية شاملة تهدف إلى تعزيز الابتكار وتحقيق كفاءة أعلى في الأنظمة المالية.
في هذا السياق، تهدف دولة الإمارات، على سبيل المثال، لتكون 75% من المعاملات غير نقدية بحلول عام 2026، بينما تسعى السعودية لتحقيق نسبة 70% بحلول عام 2030.
ووفقاً لتقرير موقع (AGBI)، يدفع التقدم التكنولوجي التوجه نحو مجتمع غير نقدي، إلا أن التحديات المتعلقة بالجرائم السيبرانية والشمول المالي لا تزال قائمة.
وساهمت أدوات مثل ميزة (Tap to Pay) على أجهزة «آيفون» في تبسيط المدفوعات الرقمية، إذ يمكن للشركات قبول المدفوعات دون تلامس باستخدام الهواتف الذكية، كما أن الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) وتقنية «البلوكتشين» تقود هذا النمو.
وفي السياق، قال المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة (Checkout.com)، ريمو جيوفاني أبونداندولو، إن حجم المدفوعات الرقمية ارتفع 658% منذ عام 2020، بفضل المحافظ الرقمية وخدمات «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» (BNPL)، ومنصات الدفع عبر الحدود.
وأوضح أبونداندولو أن الاعتماد على الدفع عند التسليم انخفض في المنطقة من 41% إلى 20% خلال 4 سنوات فقط، إذ أبلغت دول مثل الإمارات والسعودية والكويت عن استخدام نقدي لا يتجاوز 10%.
ومن جانبه، رأى الخبير في الخدمات المالية، سيفو سركار، أن المدفوعات الرقمية تقلل التكاليف على الشركات، وتعزز الشفافية، وتحسن الحوكمة، ولا سيما للعمالة ذات الدخل المحدود، وفقاً لما نقله موقع (AGBI).
وبحسب ما نقله الموقع عن خبراء، لا تزال العقبات قائمة أمام التحول الرقمي، إذ يحتاج كبار السن والمجتمعات المحرومة، إلى وصول أفضل إلى أنظمة الدفع الرقمية.
ومن جانبه، أكد المدير التنفيذي لشركة «مزن» السعودية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مالك اليوسف، أن تحويل المدفوعات الرقمية يوفر الراحة والكفاءة، مشيراً إلى أن الشمولية يجب أن تظل حجر الزاوية في هذا التحول.
وأكد اليوسف، على أهمية بذل الجهود لضمان إمكانية توصيل الخدمات الرقمية للسكان المحرومين، وخاصة في المناطق الريفية، مع تسارع التحول الرقمي.
اليوسف لفت إلى أن الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا يصاحبه تهديدات، موضحاً أن المراقبة الفورية والتعاون بين شركات التكنولوجيا المالية والحكومات ومقدمي التكنولوجيا تعد أساسية لمواجهة هذه التهديدات.
وأوضح أن عمليات التصيد الاحتيالي التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والهجمات الآلية، مثل الاستيلاء على الحسابات، أصبحت أكثر انتشاراً، ما يزيد مستويات الجرائم المالية.
كما أكد الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في مكافحة الجرائم المالية، ما يتيح الكشف في الوقت الفعلي عن المشكلات في أنماط المعاملات.
ووفق اليوسف، فإن «الأنظمة المتقدمة مثل النمذجة التنبؤية وتحليل الشبكات تعمل على الكشف عن الأنماط المخفية، ما يساعد الشركات على منع الاحتيال قبل حدوثه».
بدوره، حذر ساركار من أن عمليات الاحتيال أصبحت معقدة بشكل متزايد، مشيراً إلى عمليات التزييف العميق التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، الذي يستخدمه المجرمون لانتحال هوية البنوك أو المستهلكين، ما يؤدي إلى ارتفاع خسائر الاحتيال.
وتعمل المؤسسات المالية على التصدي لهذه المخاطر من خلال التشفير، واستخدام القياسات الحيوية، وأنظمة الكشف عن الاحتيال المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وفقاً لـ(AGBI).
تدفع الجاليات الوافدة الكبيرة في الخليج الطلب على المدفوعات عبر الحدود، إذ تساهم تقنية «البلوكتشين» في تسريع وتأمين هذه العمليات.
ومع استثمار شركات التكنولوجيا المالية في هذه الابتكارات، تتزايد إمكانات توسيع الشمول المالي.
كما تعمل التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل أنظمة الحوالات، الأمر الذي يمهد الطريق لحلول أكثر تخصيصاً.
ولفت موقع (AGBI) إلى استثمارات ضخمة في التكنولوجيا المالية، إذ تبرز شركة «مبادلة» للاستثمار، وهي أحد صناديق الثروة السيادية لحكومة أبوظبي، كأحد اللاعبين الرئيسين في دعم الابتكار المالي.
وأبرمت الشركة، في شهر سبتمبر الماضي، صفقة بارزة مع شركة التكنولوجيا المالية البريطانية (Revolut)، ضمن عملية بيع أسهم قيّمت الشركة بمبلغ 45 مليار دولار.
وتؤكد هذه الصفقة التزام أبوظبي بتعزيز مكانتها كمركز عالمي للتكنولوجيا المالية، ودعم التحول نحو مجتمع غير نقدي من خلال استثمارات استراتيجية تعزز الاقتصاد الرقمي، وتساهم في ترسيخ الابتكار المالي في المنطقة.