أثار تقرير حديث صادر عن خبراء في مجال الفضاء مخاوف بشأن مستقبل وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، التي تأسست منذ 66 عاماً. وأكد التقرير، الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» نقلاً عن لجنة تابعة للأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب، أن «ناسا» قد تكون على مسار غير مستدام.
وأفاد التقرير بعنوان «ناسا عند مفترق طرق» بوجود قلق من أن الوكالة تركز، بشكل مفرط، على المشاريع القصيرة الأجل، مما قد يؤدي إلى إغفال التخطيط الإستراتيجي طويل الأمد.
المدير التنفيذي السابق لشركة «لوكهيد مارتن»، نورمان أوغستين، أعرب عن قلقه حيال توجه وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» الحالي، وأوضح أن تركيز الوكالة على المشاريع الحالية أمر مفهوم في ظل تحديات عمليات الفضاء، إلا أنه، في كثير من الأحيان، يتجاهل المهام الأساسية التي تعد ضرورية لضمان النجاح في المستقبل.
وأضاف أوغستين أن وكالة «ناسا» تواجه تحديات تتعلق ببنيتها التحتية المتقادمة، وتراجع خبراتها الداخلية، وزيادة اعتمادها على القطاع الخاص لتطوير التقنيات الجديدة، ما قد يؤثر سلباً على قدرتها على الابتكار.
واقترح أوغستين أن أحد الحلول الممكنة هو السعي إلى زيادة التمويل من الكونغرس. وفي حال عدم توافر التمويل الإضافي، قد تكون الوكالة مضطرة إلى تأجيل أو إلغاء بعض المشاريع المكلفة لتلبية الاحتياجات الأساسية، مثل: تدريب القوى العاملة، وتطوير التكنولوجيا.
كما حذَّر من أن اعتماد وكالة «ناسا» المفرط على القطاع الخاص قد يهدد قدرتها على جذب المهندسين المبدعين، حيث يفضل العديد منهم العمل على تطوير تقنيات جديدة بدلاً من الإشراف على مشاريع الآخرين.
من جانبه، شكر مدير «ناسا» بيل نيلسون اللجنة على التقرير، معرباً عن دعمه للجهود الحالية التي تبذلها الوكالة في إقامة البنية التحتية، وتعزيز القوى العاملة، وتطوير التكنولوجيا اللازمة للعقود المقبلة. وقال في بيان: «سنواصل العمل بجد لمعالجة توصيات اللجنة، وتعزيز جهودنا في الأرض والفضاء والنجوم».
ووفقاً للصحيفة، يأتي هذا التقرير في وقت حاسم لـ«ناسا»، بعد إقرار «قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم» للعام 2022، الذي دفع الكونغرس إلى طلب مراجعة أهداف «ناسا» طويلة الأجل. وبعد 25 جلسة للجنة على مدار 14 شهراً، تم إعداد التقرير المكون من 204 صفحات، الذي يقدم تحليلاً شاملاً لتحديات وكالة الفضاء.
وعلى الرغم من نبرته الانتقادية، يعترف التقرير بإنجازات وكالة «ناسا»، بما في ذلك برنامج «أرتيمس» الطموح، الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر وإرسالهم في نهاية المطاف إلى المريخ.
ووفقاً للصحيفة، فإن «ناسا» لطالما سعت إلى تنفيذ مهام معقدة، مثل: إرسال مجسّات روبوتية عبر النظام الشمسي، والحفاظ على وجود مستمر لرواد الفضاء في المدار لأكثر من عقدين.
ومع ذلك، فإن تعقيد المهام المتزايد أدى إلى ارتفاع التكاليف. ورغم زيادة ميزانية «ناسا»، خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لم تواكب الزيادة في ظل التضخم.
وأشار التقرير إلى أن البنية التحتية لوكالة «ناسا»، التي تجاوزت عمرها الافتراضي، باتت معرضة لخطر كبير. ومع تزايد الاعتماد على القطاع الخاص، قد تواجه «ناسا» خطر فقدان مكانتها كوكالة الفضاء الرائدة عالمياً، خاصة في ظل وجود برنامج فضائي قوي للصين يهدف للوصول إلى القمر.
وأثنت لوري غارفر، نائبة مدير «ناسا» في إدارة أوباما، على التقرير واصفة إياه بـ«خريطة طريق ممتازة» للقادة المستقبليين في وكالة الفضاء، الذين يسعون إلى إحداث تغيير فعّال. وأشارت غارفر إلى أن التقرير نبه إلى أن «ناسا» تعاني من نقص سنوي في التمويل يبلغ حوالي 3 مليارات دولار لتنفيذ مهامها، مضيفة أن التقرير يأتي في وقت حاسم، حيث يقدم توجيهات للقيادة المقبلة لـ«ناسا» بشأن كيفية إعادة تنظيم البرامج لتحقيق نجاح أكبر.
وأوضحت الصحيفة أن هذه ليست المرة الأولى التي يعبّر فيها نورمان أوغستين عن قلقه بشأن مسار وكالة «ناسا». ففي السنوات الأولى من إدارة الرئيس باراك أوباما، ترأس أوغستين لجنة خلصت إلى أن الوكالة تفتقر إلى الموارد اللازمة لتحقيق المهام الطموحة التي وضعتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. وقد أدى ذلك إلى تأجيل مهمة العودة إلى القمر، والتي أعيد تفعيلها، لاحقاً، تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، واستمرت في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
ويأتي تقرير «ناسا» بمثابة تكريم لإنجازات الوكالة، وتحذير في الوقت ذاته من المخاطر المرتبطة بالنقص في الموارد والتخطيط الإستراتيجي. ومع تطور صناعة الفضاء بشكل مستمر، تواجه «ناسا» تحديات حاسمة بشأن كيفية موازنة طموحاتها الجريئة مع متطلبات الميزانية، والبنية التحتية.