logo
تكنولوجيا

الحرب الإلكترونية.. تهديد متزايد لصناعة الطيران عالمياً

الحرب الإلكترونية.. تهديد متزايد لصناعة الطيران عالمياً
طائرة بوينغ 787-9 دريملاينر التابعة لشركة طيران كندا، وهي تحلق فوق هولندا على ارتفاع 36,000 قدم، 29 يناير 2024.المصدر: غيتي إيمجز
تاريخ النشر:23 سبتمبر 2024, 04:49 م

تواجه مئات الرحلات الجوية اليومية حول العالم اضطرابات، بسبب التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وهو خطر متزايد يهدد سلامة الطيارين والركاب.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» تتعرض الطائرات المدنية لـ«إشارات كاذبة» ناتجة عن أنظمة الحرب الإلكترونية، مما يتسبب في أخطاء في أنظمة الملاحة الجوية وتنبيهات السلامة، وأحياناً مع عواقب خطيرة.

بدوره، الكابتن دان كاري، طيار لدى شركة الخطوط الجوية الأميركية، واجه هذا الخطر شخصياً في مارس عندما كانت طائرته من طراز «بوينغ 777» تعبر الأجواء الباكستانية، موضحاً أنه على ارتفاع 32,000 قدم، تلقى كاري تنبيها: «ارفع الطائرة!»، وهو أمر يرسل عادةً عندما تكون الطائرة على وشك الاصطدام بالأرض، إلا أن الطائرة كانت في ارتفاع طيران طبيعي، وكان الإنذار كاذباً.

ويقول كاري: «كان الأمر مقلقاً، لكنه لم يكن مفاجئاً، لأننا كنا على ارتفاع»، مضيفاً: «لو حدثت مشكلة أخرى مثل تعطل المحرك في الوقت ذاته، كانت الحالة شديدة الخطورة».

وتبين لاحقاً أن هذا الإنذار الكاذب كان نتيجة للتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وهي تكتيكات تستخدمها الجيوش لتضليل الطائرات بدون طيار والصواريخ، لكنها الآن تؤثر في الطائرات التجارية، بما في ذلك الرحلات الدولية لشركات الطيران الأميركية، الأمر الذي يشكل خطراً جديداً على السفر الجوي المدني.

وتنتشر هذه الهجمات خارج مناطق النزاع الفعلي بالقرب من أوكرانيا والشرق الأوسط، مع تعرض مئات الطيارين المدنيين للتداخل يومياً.

تصاعد التشويش على (GPS)

ارتفع عدد الرحلات المتأثرة بتشويش (GPS) بشكل كبير خلال العام الماضي.

ووفقاً لبيانات من شركة (SkAI Data Services) و«جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية»، ارتفع عدد الرحلات المستهدفة من بضع عشرات في فبراير 2024 إلى أكثر من 1,100 رحلة في أغسطس 2024.

ويؤثر التشويش على نظام (GPS) على الطائرات الحديثة عن طريق إرسال بيانات موقع كاذبة إلى أنظمة الطيران، مما يؤدي إلى حدوث خلل قد يستمر لبضع دقائق أو طوال الرحلة.

بدورهم، أفاد طيارون بإعادة ضبط الساعات على أوقات سابقة، وتلقي تحذيرات كاذبة عن التضاريس، وانحراف مسارات الرحلات عن وجهتها، مشيرين إلى أنه على الرغم من أن هذه المشكلات ليست دائماً خطيرة بشكل مباشر، إلا أنها قد تخلق تشتيتاً وارتباكاً للطيارين، ولاسيما في حالات الطوارئ.

من جانبهم، يؤكد مسؤولو سلامة الطيران أنه على الرغم من انتشار تشويش (GPS) المتزايد، إلا أنه لم يشكل بعد خطراً كبيراً على السلامة، حيث يتم تدريب الطيارين على استخدام أنظمة ملاحة احتياطية عندما يكون (GPS) غير موثوق به، ولكن التعامل مع الإشارات الكاذبة والإنذارات في أثناء الرحلات قد يشتت انتباه الطيارين.

بحث عن حلول

تتعاون شركات الطيران ومصنّعو الطائرات والمنظمون على تطوير حلول مؤقتة على المدى القصير وأخرى دائمة على المدى الطويل، واستجابةً للتهديد المتزايد للتشويش على أنظمة الملاحة، إلا أن معايير المعدات المصممة لحماية الطائرات المدنية من التشويش لن تكون جاهزة حتى عام 2025 على أقرب تقدير، وفقاً لمصادر مطلعة.

في غضون ذلك، يتلقى طيارون توجيهات قبل الرحلات حول كيفية التعرف على التشويش وكيفية الاستجابة بشكل مناسب، حيث يشمل ذلك تجاهل بعض التنبيهات الآلية أو تعطيل بعض أنظمة الطائرة مؤقتاً، على الرغم من أن هذه الأنظمة لعبت دوراً مهماً في تقليل حوادث الطائرات في الماضي.

تصاعد التهديدات الإلكترونية

يلاحظ خبراء زيادة حادة في حجم الإشارات الكاذبة خلال الأشهر الستة الماضية، ووفقاً لتود همفريز، أستاذ الهندسة الفضائية في جامعة تكساس في أوستن، فإن معظم هذه الإشارات تأتي من أنظمة الحرب الإلكترونية القوية في روسيا وأوكرانيا وإسرائيل، مبيناً أنه في حين أن بعض أجهزة التشويش المحمولة تؤثر في مناطق صغيرة، فإن غالبية الاضطرابات في الطيران ناتجة عن أجهزة عسكرية متقدمة.

وحث همفريز خبراء الصناعة والمنظمين على الإسراع في تعزيز حماية الطائرات ضد التشويش قبل وقوع حادث، مشدداً على أن ذلك يعد إحراجاً لصناعة الطيران ولشركات الطيران.

تجدر الإشارة إلى أن مجموعة متنوعة من الهجمات تسببت في مشاكل مختلفة عبر مناطق متعددة، وفي حادثة وقعت في سبتمبر 2023، كادت إشارة (GPS) كاذبة أن ترسل طائرة خاصة من طراز إمبراير إلى المجال الجوي الإيراني دون تصريح، وهو توجيه كان من الممكن أن يدخل الطائرة في أجواء معادية.

كما أفاد طاقم طائرة «إيرباص A320» في يوليو وعند مغادرتهم قبرص بحدوث «انحراف شديد» في الخريطة داخل قمرة القيادة، وفشل نظام ملاحي آخر.

وكذلك في الشهر نفسه، ألغت طائرة «بوينغ 787» هبوطين بعد فقدان إشارة (GPS) أحدهما على ارتفاع 50 قدماً فقط فوق الأرض، مما أدى إلى سلسلة من المشاكل في الأدوات.

الولايات المتحدة وأوروبا

من جانبها، قالت إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) إنها لم ترصد أي حوادث تشويش داخل الولايات المتحدة، على الرغم من وجود تقارير متفرقة عن تداخل في (GPS) في السنوات الأخيرة.

وفي أكتوبر 2022، تسببت تداخلات (GPS) في اضطراب حركة الطيران في مطار دالاس فورت وورث الدولي، وخلال تلك الفترة، انحرفت بعض الطائرات عن مسارها، ووقعت إحدى الطائرات على مقربة خطيرة من طائرة أخرى في أثناء اقترابها من المطار، في انتهاك طفيف للقواعد الفيدرالية التي تضمن الحفاظ على مسافات آمنة بين الطائرات، واضطر الطيارون إلى الاعتماد على أنظمة الملاحة التقليدية لمدة يومين تقريباً.

لم تؤكد إدارة الطيران الفيدرالية ما إذا كان هذا التداخل متعمداً، ولا تزال تحقق في السبب.

في أوروبا، يواجه المنظمون تحديات مماثلة نتيجة لزيادة التشويش على نظام (GPS)، على الرغم من أن التشويش لم يعرض الرحلات الجوية للخطر، إلا أنه تسبب في اضطرابات في عدة دول.

وكذلك اضطر بعض الطيارين إلى الهبوط في مطارات بديلة نتيجة الاضطرابات في الإشارة، وفي وقت سابق من هذا العام، أوقفت شركة طيران مؤقتاً عملياتها في مطار إستوني يفتقر إلى أنظمة الملاحة الأرضية.

من جانبه، صرح فلوريان غويليرميت، المدير التنفيذي لوكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي (EASA) في يونيو: «الخطر يتزايد من حيث عدد الحوادث».

استجابة الصناعة وتخفيف المخاطر

تعمل شركات مثل الخطوط الجوية المتحدة والخطوط الجوية الأميركية في ضوء هذا التهديد المتزايد مع المنظمين على تطوير إجراءات جديدة للتعامل مع التشويش، حيث تشمل هذه الإجراءات السماح للطيارين بإعادة تعيين قواطع الدوائر الكهربائية في قمرة القيادة عندما تتسبب البيانات الخاطئة في تعطل الأنظمة.

يشار إلى أنه عادة ما يُثنى الطيارون عن إعادة تعيين القواطع، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، حيث يتطلب ذلك منهم مغادرة مقاعدهم، مما قد يتسبب في مشاكل كهربائية.

على الرغم من هذه التحديات، تعمل شركتا «بوينغ» و«إيرباص» بنشاط مع شركات الطيران لوضع إجراءات جديدة تساعد الطيارين على التعامل مع هذه الاضطرابات.

متحدث باسم شركة «بوينغ» قال إن المصنّعين وشركات الطيران والمنظمين يساهمون بخبراتهم لضمان سلامة الطيران في ضوء تزايد حوادث التشويش على (GPS).

كما أكدت الخطوط الجوية المتحدة والخطوط الجوية الأميركية أن طياريها مجهزون بعدة وسائل للملاحة بدقة حتى في حالة حدوث تشويش على (GPS).

كما ذكرت الخطوط الجوية الأميركية أنها لم تواجه أي اضطرابات أو مخاوف كبيرة تتعلق بالسلامة ناتجة عن تشويش (GPS).

بدورهم، يحث مسؤولو الصناعة الطيارين على الالتزام بالإجراءات المعتمدة من قبل المصنعين والمنظمين، في ظل غياب توجيهات موحدة حتى الآن.

ويقول آندي يوريبي، خبير في أمن الطيران: «لا نريد أن يتبع الطيارون أساليب ارتجالية»، مشيراً إلى أهمية الالتزام بالتوجيهات المعتمدة خلال ندوة حول الأمن الجوي.

في ظل هذه التحديات المتزايدة، تظل مسألة التشويش قضية مهمة تشغل بال شركات الطيران والمنظمين، الذين يسعون جاهدين لضمان سلامة الطيران في مواجهة هذه التهديدات الإلكترونية المتنامية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC