في الوقت الذي يحاول قادة قطاع الذكاء الاصطناعي التعامل مع تداعيات ظهور نموذج «ديب سيك» الصيني، ترى العديد من الشركات الصغيرة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أن ظهور «ديب سيك» يمثل دفعة هائلة لهم للمنافسة.
وأحدثت شركة «ديب سيك» الصينية، هزة في نظام الذكاء الاصطناعي الذي تقوده الولايات المتحدة بنموذجها الأحدث؛ مما أدى إلى خسارة مئات المليارات من شركة (Nvidia) الرائدة في مجال الرقائق.
وفي هذا السياق، قال أندرو فيلدمان، الرئيس التنفيذي لشركة «سيريبراس سيستم» (Cerebras Systems) الناشئة المتخصصة في تطوير شرائح الذكاء الاصطناعي، إن المطورين حريصون للغاية على استبدال نماذج (OpenAI) باهظة الثمن والمغلقة بنماذج مفتوحة المصدر مثل (DeepSeek R1)، وفقاً لما نقله موقع «سي إن بي سي» الأميركي.
وتتنافس الشركة مع وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا وتقدم خدمات تعتمد على الحوسبة السحابية من خلال مجموعات الحوسبة الخاصة بها.
وأشار فيلدمان، إلى أن إطلاق طراز «R1» أدى إلى واحدة من أكبر الزيادات التي شهدتها شركته على الإطلاق في الطلب على خدماتها.
وفي رأي فيلدمان، فإن R1 أظهر أن نمو سوق الذكاء الاصطناعي لن تهيمن عليه شركة واحدة، إذ لا تواجه الأجهزة والبرامج حواجز في النماذج مفتوحة المصدر.
يشير مصطلح المصدر المفتوح إلى البرامج التي يتم فيها توفير الكود المصدري مجاناً على الويب للتعديل وإعادة التوزيع، مثل نماذج «ديب سيك» مفتوحة المصدر، على عكس نماذج المنافسين مثل «أوبن إيه آي».
وكما هو الحال في أسواق الحواسيب الشخصية والإنترنت، يساعد انخفاض الأسعار على زيادة الاعتماد العالمي. ويسير سوق الذكاء الاصطناعي في مسار نمو علماني مماثل.
الشركات الناشئة في مجال الرقاقات وخبراء الصناعة تعتبر أن «ديب سيك» يمكن أن تزيد من اعتماد تقنيات الرقائق الجديدة من خلال تسريع دورة الذكاء الاصطناعي من مرحلة التدريب إلى مرحلة «الاستدلال».
ويشير مصطلح الاستدلال إلى عملية استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقه لاتخاذ تنبؤات أو قرارات بناءً على معلومات جديدة، بدلاً من بناء النموذج أو تدريبه.
ومن جانبه، قال فيليكس لي، محلل الأسهم في شركة «مورنينغ ستار» (Morningstar): «ببساطة، تدريب الذكاء الاصطناعي يتعلق ببناء أداة أو خوارزمية، بينما الاستدلال يتعلق بنشر هذه الأداة فعلياً لاستخدامها في تطبيقات حقيقية».
بينما تحتل (Nvidia) مكانة مهيمنة في وحدات معالجة الرسومات المستخدمة في تدريب الذكاء الاصطناعي، يرى العديد من المنافسين مجالاً للتوسع في قطاع «الاستدلال»، حيث يعدون بكفاءة أعلى مقابل تكاليف أقل.
مسؤولون في شركات ناشئة في مجال رقاقات الذكاء الاصطناعي أكدوا أنهم يشهدون المزيد من الطلب على رقاقات الاستدلال والحوسبة مع تبني العملاء لنموذج «ديب سيك» مفتوح المصدر والبناء عليه.
سيد شيث، الرئيس التنفيذي لشركة (d-Matrix) الناشئة لرقائق الذكاء الاصطناعي قال: «أثبت «ديب سيك» أنه يمكن تدريب النماذج الصغيرة المفتوحة لتكون بنفس قدرة النماذج المسجلة الملكية أو أكثر قدرة من النماذج المسجلة الملكية الأكبر، ويمكن القيام بذلك بتكلفة بسيطة».
وأضاف أنه مع توافر النماذج الصغيرة ذات القدرات العالية على نطاق واسع، فقد حفزت عصر الاستدلال، وفقاً لموقع «سي إن بي سي» الأميركي.
شيث أشار إلى أن الشركة شهدت مؤخراً زيادة في الاهتمام من العملاء العالميين الذين يتطلعون إلى تسريع خططهم الاستدلالية.
يتفق المحللون وخبراء الصناعة على أن إنجازات «ديب سيك» تُعد دفعة قوية لاستدلال الذكاء الاصطناعي وصناعة رقائق الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع.
ووفقاً لتقرير صادر عن شركة (Bain & Company) فإن أداء «ديب سيك» يعتمد على سلسلة من الابتكارات الهندسية التي تقلل بشكل كبير من تكاليف الاستدلال مع تحسين تكلفة التدريب أيضاً.
وفي السيناريو المتفائل، ستؤدي التحسينات المستمرة في الكفاءة إلى استدلال أرخص؛ مما يحفز على زيادة تبني الذكاء الاصطناعي.
هذا النمط يفسر مفارقة جيفون، وهي نظرية تؤدي فيها تخفيضات التكلفة في التكنولوجيا الجديدة إلى زيادة الطلب.
وفي هذا الصدد، أشار صني مادرا، مدير العمليات في شركة (Groq)، لتطوير رقائق الاستدلال بالذكاء الاصطناعي، إلى أنه مع نمو الطلب الإجمالي على الذكاء الاصطناعي، سيكون لدى الشركات الصغيرة مساحة أكبر للنمو.
وقال مادرا: «نظراً لأن العالم سيحتاج إلى المزيد من الرقائق لا تستطيع إنفيديا توفير ما يكفي من الرقائق للجميع؛ لذا فإن ذلك يتيح لنا فرصاً للبيع في السوق بقوة أكبر»، وفقاً لـ«سي إن بي سي».