في العام 2008، اتخذ المستثمر الشهير وارن بافيت قراراً جريئاً بالاستثمار في قطاع السيارات الكهربائية الناشئ، عبر شراء حصة قدرها 225 مليون سهم في شركة «بي واي دي» (BYD) الصينية، بقيمة 230 مليون دولار. بعد أكثر من 15 عاماً، تجاوزت قيمة هذا الاستثمار 6 مليارات دولار، ما يجعله واحداً من أنجح رهانات «بيركشاير هاثاواي».
يعود نجاح «بي واي دي» إلى إستراتيجيتها المتميزة في الابتكار والتوسع. ففي الربع الأول من 2024، تفوقت الشركة على «تسلا» من حيث الإيرادات الفصلية للمرة الأولى. هذا التفوق لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة لسنوات من الاستثمار في التقنيات الحديثة وسلسلة التوريد المتكاملة، في وقت تواجه فيه تسلا تحديات تنظيمية وتراجعاً في المبيعات.
يعتمد نجاح BYD على إستراتيجيتها القائمة على «التكامل الرأسي»، حيث تتحكم في سلسلة التوريد بالكامل، من استخراج الليثيوم إلى تصنيع البطاريات وأشباه الموصلات وإنتاج السيارات. هذا النموذج منحها ميزة تنافسية كبرى، في وقت تعاني فيه الشركات الأخرى من اضطرابات سلاسل التوريد والتكاليف المتزايدة.
إلى جانب ذلك، قدمت الشركة ابتكارات ثورية، مثل بطارية (Blade) التي تعد من أكثر البطاريات أماناً واستدامة، وتقنية القيادة الذاتية "God’s Eye"، التي تتوافر حتى في طرازها الاقتصادي (Seagull) بسعر 9,500 دولار، مقارنةً برسوم الاشتراك التي تفرضها تسلا على تقنياتها المشابهة.
تشكل الصين سوقاً حيوياً لشركات السيارات الكهربائية، إلا أن تسلا تواجه فيها صعوبات متزايدة. وفقاً لبيانات حديثة من رابطة سيارات الركاب الصينية، تراجعت مبيعات تسلا في البلاد بنسبة 22% خلال الربع الأول من العام، بينما سجلت BYD زيادة بنسبة 46% في مبيعاتها.
يُعزى هذا التراجع جزئياً إلى سياسات الحكومة الصينية الداعمة للصناعات المحلية، إضافة إلى تفوق BYD في تقديم سيارات كهربائية بأسعار تنافسية وتقنيات متطورة. كما أن تسلا تواجه تأخيرات تنظيمية في طرح تقنياتها الجديدة، مثل نظام القيادة الذاتية، مما يمنح «بي واي دي» ميزة إضافية.
ورغم النجاحات المتتالية، تواجه «بي واي دي» تحديات مرتبطة بالتوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، والتي قد تؤثر على سياسات التجارة والجمارك. لكن الشركة تواصل تعزيز مكانتها العالمية، حيث جمعت مؤخراً 5.6 مليارات دولار من خلال طرح أسهم في بورصة هونغ كونغ، في واحدة من أكبر عمليات التمويل في قطاع السيارات خلال العقد الأخير.
من جانبه، اتبع وارن بافيت نهجاً استثمارياً مرناً، إذ بدأ في تقليص حصة «بيركشاير هاثاواي» في «بي واي دي» منذ 2022، حتى انخفضت ملكيته إلى أقل من 5% بحلول منتصف 2024. ومع ذلك، لا يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها فقدان للثقة، بل كجزء من استراتيجيته المعروفة بتحقيق الأرباح في الوقت المناسب.
مع استمرار «بي واي دي» في توسيع حصتها السوقية وتطوير تقنياتها، يبقى استثمار بافيت فيها نموذجاً للرؤية الاستثمارية البعيدة المدى، والتي تستفيد من التحولات الاقتصادية والتكنولوجية الكبرى في العالم.