عندما نتحدث عن الأسواق المالية، قلّما نجد مستثمراً يتمتع بشهرة أسطورية مثل «عرّاف أوماها»، وارن بافيت. بصفته الرئيس التنفيذي لشركة «بيركشاير هاثاواي»، اكتسب بافيت سمعة بارزة بفضل إستراتيجيته الاستثمارية القائمة على الشراء والاحتفاظ، إضافة إلى استثماراته الضخمة والمربحة للغاية في شركات مثل «أبل» و«بنك أوف أميركا».
مؤخراً، هز بافيت الأوساط المالية من خلال بيع أسهم بقيمة مذهلة بلغت 97 مليار دولار أميركي خلال النصف الأول من عام 2024. ومع متابعة الأسواق لكل خطوة يتخذها، يتساءل المستثمرون حول العالم: ما الأسباب الكامنة وراء هذه التحركات الجريئة؟ وما دلالاتها على الأسواق؟
حافظ بافيت على استثمارات طويلة الأمد في شركة «أبل»، التي اعتبرها سابقاً إحدى الركائز «الدائمة» في محفظته الاستثمارية. لذلك، أثار قراره بتقليص حصته في «أبل» دهشة المستثمرين، حيث باعت بيركشاير هاثاواي ما يقارب 90 مليار دولار من أسهم «أبل» في أول ستة أشهر من عام 2024.
على نحو مشابه، جاء بيع بافيت لحوالي 23% من حصته في «بنك أوف أميركا» منذ منتصف يوليو كخطوة مفاجئة أخرى. هذا البيع، الذي بلغ نحو 10 مليارات دولار أميركي، خفض حصة بيركشاير في البنك من 13.2% إلى 10.2%.
نتيجة لهذه العمليات الكبيرة، أصبحت بيركشاير تحتفظ الآن بحوالي 325 مليار دولار نقداً، مما يمنحها قوة مالية هائلة لاستثمارات مستقبلية أو لعمليات استحواذ ضخمة.
يثير هذا الاتجاه نحو البيع تساؤلات واسعة النطاق، حيث يحاول المحللون والمستثمرون فهم دوافع بافيت وانعكاساتها المحتملة. فيما يلي أبرز التفسيرات المحتملة:
1. جني الأرباح: مع تسجيل الأسواق مستويات قياسية جديدة هذا العام، قد يكون بافيت ببساطة يستفيد من ارتفاع تقييمات الأسهم لتأمين مكاسبه.
2. الضرائب: أشار بافيت إلى أن احتمالية ارتفاع الضرائب على الأرباح الرأسمالية قد تكون أحد العوامل التي دفعته لاتخاذ هذا القرار.
3. التحوط من المخاطر: مع تزايد المخاوف المرتبطة بالنزاعات الجيوسياسية، والانتخابات الأمريكية الأخيرة، وتصاعد التضخم، قد يسعى بافيت إلى تعزيز وضع السيولة تحسباً لأي اضطرابات مستقبلية.
4. إعادة موازنة المحفظة: كأي مستثمر محترف، يقوم بافيت بتعديل محفظته بشكل دوري لضمان التوازن، وهذه الخطوة قد تكون جزءاً من إستراتيجية إعادة الموازنة.
5. تغيير إستراتيجي: قد تشير هذه التحركات إلى استعداد بيركشاير لتنفيذ استحواذات كبيرة تتطلب سيولة ضخمة، أو لاستكشاف قطاعات وصناعات جديدة لم تركز عليها من قبل.
يُعد وارن بافيت شخصية مؤثرة بشكل كبير في الأسواق، وتحركاته دائماً ما تُثير نقاشات واسعة بين المستثمرين. لكن هل ينبغي أن تقلقنا مبيعاته الأخيرة وحجم السيولة الهائل الذي يحتفظ به؟
رغم صعوبة توقع خطط بافيت المستقبلية، فإن من الضروري تذكر أن إستراتيجيته الاستثمارية تعتمد على القيمة طويلة الأجل، حيث يُفضل "الاستثمار في الوقت" بدلاً من ملاحقة تقلبات السوق.
وهنا بعض النصائح للمستثمرين:
دائماً ما توفر تحركات بافيت مادة ثرية للتفكير، لكن في النهاية، هو مجرد واحد من العديد من المؤشرات في السوق. ومع ذلك، يمكنك التأكد من أن المستثمرين سيراقبون عن كثب لاكتشاف ما سيفعله بافيت مع احتياطاته النقدية الكبيرة في الأشهر المقبلة.