دخلت شركة ««فولكس فاجن»» وشركة «ريفيان أوتوموتيف» في شراكة تهدف إلى معالجة التحديات الكبرى في سوق السيارات الكهربائية. وبحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، تم التوصل إلى هذه الشراكة، هذا الأسبوع، في وقت تواجه فيه الشركتان ضغوطاً للمنافسة مع قادة الصناعة مثل «تسلا» والمنافسين الصينيين الذين يحققون نمواً سريعاً.
في أغسطس، سافر مجموعة مختارة من المديرين والمهندسين في «فولكسفاجن» من ألمانيا إلى بالو ألتو في كاليفورنيا لتقييم سيارة كانت قد صُممت أصلاً كسيارة كهربائية من شركة «أودي». وقد تم إرسال هذه السيارة إلى شركة «ريفيان» الناشئة في الولايات المتحدة في وقت سابق من العام كجزء من تجربة لدمج الخبرة التكنولوجية في وادي السيليكون مع الهندسة الألمانية.
وعند الفحص، أعجب فريق «فولكسفاجن» بقدرة السيارة على تحديث الأنظمة الأساسية، مثل: تكييف الهواء وتوجيه المحور الخلفي لاسلكياً عبر الكمبيوتر المحمول. كانت «فولكسفاجن» قد أمضت سنوات، وأنفقت مليارات الدولارات في محاولة بناء سيارة رقمية مماثلة، بينما نجحت «ريفيان» في تطوير نموذج أولي يعمل في مدة أقل من 3 أشهر.
وأشاد مايكل شتاينر، رئيس قسم البحث والتطوير في «فولكسفاجن»، بسرعة ابتكار «ريفيان» قائلاً: «لإتمام هذا العمل وتشغيله في السيارة في هذا الوقت القصير، حتى لو عملنا ليلاً ونهاراً، فهذا أمر رائع بالفعل».
تشمل الشراكة الجديدة استثمار «فولكسفاجن» ما يصل إلى 5.8 مليار دولار في أسهم «ريفيان» ومشروع مشترك، بزيادة عن القيمة الأولية المتوقعة التي كانت 5 مليارات دولار. في المقابل، تحصل «فولكس فاجن» على إمكانية الوصول إلى أنظمة الحوسبة المتطورة وبرمجيات «ريفيان»، التي استثمرت فيها الشركة الأمريكية مليارات الدولارات لتطويرها لسياراتها الكهربائية.
وتمثل هذه الشراكة بين ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم وشركة ناشئة غير مثبتة نسبياً خطوة كبيرة للأمام لكلتا الشركتين، حيث تسعى «فولكسفاجن» إلى دمج التكنولوجيا الرقمية المتطورة في سياراتها، بينما تحصل «ريفيان» على تمويل حاسم لدعم عملياتها.
وأوضح التقرير أن الشراكة بين «فولكس فاجن» و«ريفيان» تُبرز التحديات التي يواجهها كل منهما في بيئة السيارات الكهربائية التي تشهد منافسة متزايدة. حيث تكافح شركات السيارات التقليدية مثل «فولكس فاجن»، المعروفة بخبرتها في السيارات المزودة بمحركات احتراق داخلي، في مواكبة التقدم التكنولوجي السريع لشركات السيارات الكهربائية الناشئة. وفي الوقت نفسه، تواجه شركات ناشئة مثل «ريفيان» صعوبات في توسيع إنتاجها وتحقيق الأرباح، كما يتضح من حجم الإنتاج المتوقع الذي يقل عن 50,000 سيارة في عام 2024.
بالنسبة لـ«فولكس فاجن»، تُعد الشراكة خطوة إستراتيجية لتسريع تحولها الرقمي، وهو التحول الذي تأخر مقارنة ببعض منافسيها. وأوضح وسيم بن سعيد، رئيس قسم البرمجيات في «ريفيان»، أن هذه الشراكة تمنح «فولكسفاجن» فرصة لتبني ثقافة «ريفيان» السريعة والمبنية على الابتكار. من جانبه، وصف أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لـ«فولكس فاجن»، الشراكة بأنها «التوافق المثالي» في بيان صحفي لصحيفة «وول ستريت جورنال».
يشكل الدفع نحو التكامل الرقمي أمراً بالغ الأهمية لصناعة السيارات، حيث تسعى الشركات إلى جعل مركباتها متصلة بالشبكات الرقمية وقابلة للتحديث كما هو الحال مع الهواتف الذكية. بدأت الشركات المصنعة التقليدية في دمج التكنولوجيا المتقدمة في الوظائف الأساسية للمركبات، مثل أنظمة المعلومات والترفيه وميزات القيادة الذاتية. من جهة أخرى، استفادت الشركات الناشئة في مجال السيارات الكهربائية من ميزة في هذا المجال بفضل تصميماتها الميكانيكية الأبسط، ما يسهل عليها دمج الإلكترونيات المعقدة والبرمجيات بشكل أكثر كفاءة.
في تصنيف حديث لشركات صناعة السيارات حسب مدى «رقميتها»، وضعت شركة الاستشارات التكنولوجية جارتنر تسلا، والشركات المصنعة الصينية مثل (NIO) و(Xpeng)، ثم «ريفيان»، في المراكز الأربعة الأولى، بينما احتلت «فولكس فاجن» المركز الثالث عشر، خلف شركتي جنرال موتورز وفورد. ولتعويض هذا التأخر، تخطط «فولكس فاجن» لتطبيق التكنولوجيا الجديدة على أسطول سياراتها العالمي، باستثناء الصين التي تمثل 5.7 مليون وحدة في 2023. ومن المتوقع أن تكون السيارات الأولى التي تحتوي على الأنظمة الرقمية الجديدة متاحة للبيع بحلول عام 2027.
بالنسبة لشركة «ريفيان»، توفر الشراكة دعماً مالياً حيوياً. فقد أنفقت الشركة الناشئة أكثر من 19 مليار دولار منذ اكتتابها العام في 2021، حيث تم تخصيص جزء كبير من هذه الأموال لتطوير الأجهزة والبرمجيات المملوكة. ومع ذلك، فقد حال حجم الإنتاج المنخفض، والذي قد لا يتجاوز 50,000 وحدة هذا العام، دون تحقيق الربحية. وبالتالي، يُعد استثمار «فولكس فاجن» أمراً حاسماً لبقاء «ريفيان»، التي تهدف إلى زيادة إنتاجها وتحقيق الربحية في المستقبل.
على الرغم من وعود الشراكة، فإن هناك مخاطر كبيرة لكلا الشركتين. إذ تقدم «ريفيان» لشركة «فولكسفاجن» الوصول إلى تقنياتها المكلفة والمخصصة، والتي تعتبرها الشركة ميزة تنافسية رئيسة. أما بالنسبة لـ«فولكس فاجن»، فإن الصفقة تنطوي على الاعتماد على مشروع مشترك للحصول على تكنولوجيا أساسية لمستقبلها دون أن تكون لديها السيطرة الكاملة على تطويرها.
كما أن توقيت الشراكة حاسم بالنسبة لـ«فولكس فاجن»، التي تشهد، حالياً، إعادة هيكلة كبيرة بسبب ضعف المبيعات، وارتفاع المنافسة في الصين، والتكاليف المرتفعة المرتبطة بانتقالها إلى السيارات الكهربائية. وتجري الشركة، حالياً، مفاوضات مع نقابتها القوية، مع احتمال إغلاق أول مصنع ألماني في تاريخ «فولكسفاجن»، مما يمثل تحولاً كبيراً بالنسبة لصانع السيارات الألماني.
كما كافحت «ريفيان» لفترة طويلة مع تعقيدات التصنيع، حيث تكبدت خسارة قدرها 39,000 دولار على كل مركبة باعتها في الربع الثالث. ويعد نظام أجهزة الكمبيوتر الصغيرة من «ريفيان» الذي تستحوذ عليه «فولكس فاجن» أكثر تكلفة من الخيارات الجاهزة من كبار موردي السيارات. وعلى الرغم من التكاليف، تعتقد «ريفيان» أن نهجها، عندما يُطبق على نطاق أوسع، سيكون أرخص في النهاية ويمثل قفزة تكنولوجية هائلة مقارنة بعرض «فولكس فاجن» الحالي.
ويأتي استثمار «فولكس فاجن» في «ريفيان» في وقت تواجه فيه الشركة تحديات مستمرة مع قسم البرمجيات الخاص بها «كارياد»، الذي عانى من تأخيرات وتكاليف متزايدة بلغت قيمتها 7.8 مليار يورو منذ إنشائه في 2021. ويمثل تحول «فولكسفاجن» نحو تكنولوجيا «ريفيان» رد فعل على تنبيه تلقتها الشركة في معرض شنغهاي للسيارات في 2023، حيث رأت كيف كانت المنافسات تدمج بسرعة ميزات رقمية مثل القيادة الذاتية والتحكم الصوتي، بينما كان «كارياد» يفشل في الوفاء بالمواعيد النهائية.
في منتصف العام 2023، دخلت «فولكس فاجن» في شراكة منفصلة مع الشركة الناشئة الصينية «إكسبينغ» لتطوير سيارات كهربائية متقدمة للسوق الصيني. ومع ذلك، أشار مايكل شتاينر إلى أن استخدام التكنولوجيا الصينية خارج الصين قد يواجه صعوبات، وهو ما دفع «فولكسفاجن» لإجراء مفاوضات مع «ريفيان»، التي أسفرت عن تشكيل مشروع مشترك مدعوم بتعاون شامل، يشمل تعديل سيارات أودي لدمج مكونات «ريفيان».
وبموجب الاتفاقية الجديدة، سيقود المشروع المشترك الرئيسان التنفيذيان، حيث سيرأس بن سعيد الجانب التكنولوجي، بينما سيتولّى كارستن هيلبينغ، كبير مهندسي التكنولوجيا في «فولكس فاجن»، الإشراف على العمليات. وعلى الرغم من أن «ريفيان» لا تزال تكافح مع تعقيدات التصنيع، فإن الفوائد المحتملة لهذه الشراكة تبدو واضحة. فمن الممكن أن توفر طريقة «ريفيان» الفريدة للإلكترونيات الخاصة بالسيارات قفزة تكنولوجية كبيرة مقارنة بأنظمة «فولكس فاجن» الحالية.
وبحلول أوائل يونيو، قام الفريق بتفكيك سيارة «أودي كيو 6 إي-ترون» المتطورة، التي تم شحنها من ألمانيا، وتزويدها بمكونات «ريفيان» كمشروع مختبري. ثم بدأت الفرق في تحويل سيارة «أودي» ثانية إلى مركبة عرض يمكن قيادتها بالفعل، في حين بقيت سيارة «أودي» ثالثة دون مساس كنقطة مرجعية.
وقال شتاينر من «فولكس فاجن»: «في الماضي، كان لدينا نوع من الادعاء بأنه إذا لم يتم اختراع شيء داخل نظام (فولكس فاجن) البيئي، فقد لا يكون جيداً بما فيه الكفاية. أما الآن، فقد انتهى هذا الأمر. لا يمكننا دفع الحاجز التكنولوجي في كل مجال بمفردنا».
وأشار التقرير إلى أنه بينما تمضي الشركتان قدماً في هذه الشراكة، ستكون النتائج محط أنظار الجميع، حيث يمكن أن تلعب هذه الشراكة دوراً محورياً في تشكيل مستقبل صناعة السيارات العالمية.