تستغل شركات تصنيع السيارات الكبرى في أوروبا العديد من مصانعها بشكل أقل من طاقتها، ما يثير مخاوف من إغلاقها وفقدان الوظائف.
وأعلنت شركة «فولكس فاجن»، مؤخراً، بأنها قد تغلق مصانع في ألمانيا، وتخفض الوظائف، ما يعد تحذيراً واضحاً لصناعة السيارات الأوروبية المتعثرة، والتي تواجه خطر إغلاق المزيد من المصانع في المستقبل.
وتعاني السوق الأوروبية، خاصة بالنسبة لكبرى الشركات المصنعة مثل «بي إم دبليو» و«مرسيدس-بنز» و«رينو» و«ستيلانتيس» و«فولكس فاجن»، من تباطؤ ملحوظ في الأداء.
ووفقاً لتحليل أجرته وكالة «بلومبرغ» استناداً إلى بيانات (Just Auto)، فإن نحو ثلث مصانع السيارات التابعة لهذه الشركات الكبرى كانت تعمل بأقل من 50% من طاقتها الإنتاجية خلال العام الماضي، مبيناً أنه إذا استمرت هذه الحالة دون تغيير، فإن ذلك قد يؤدي إلى المزيد من الإغلاقات، ما يفاقم المخاوف بشأن مستقبل صناعة السيارات في أوروبا على المدى الطويل.
يشكل الوضع الحالي لمصانع السيارات في أوروبا خطراً على آلاف العمال، حيث ظلت المبيعات في أوروبا أقل بنحو 3 ملايين سيارة مقارنة بما قبل الجائحة، ما أدى إلى بقاء العديد من المصانع شبه فارغة وتعريض آلاف الوظائف للخطر.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفائض في القدرة الإنتاجية، إلى جانب التباطؤ غير المتوقع في الطلب على السيارات الكهربائية، يفرض ضغوطاً على الشركات المصنعة لتقليل التكاليف.
ومع اشتداد المنافسة في الأسواق الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، تسعى شركات السيارات الأوروبية جاهدة لإيجاد سبل لتحقيق الكفاءة والحفاظ على قدرتها التنافسية.
وتعد «فولكس فاجن»، إحدى أكبر شركات صناعة السيارات في أوروبا، إذ أعلنت مؤخراً عن إلغاء ضمانات التوظيف الطويلة الأمد لعمالها في ألمانيا.
وأفاد التقرير، بأن النجاح الذي حققته «تسلا» بطراز (Model Y)، والذي أصبح النموذج الأكثر مبيعاً في المنطقة العام الماضي، إضافة إلى الدفع القوي من قبل شركات السيارات الصينية مثل (BYD) لدخول السوق الأوروبية، يزيد الضغوط على الشركات المصنعة المحلية.
أسهمت عدة عوامل في تدهور الوضع بالنسبة لشركات السيارات الأوروبية، ومنها نقص العمالة الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف العمل، بينما ظلت أسعار الطاقة مرتفعة بسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا، ما جعل من الصعب على الشركات المصنعة العمل بربحية.
وتعتبر صناعة السيارات جزءاً مهماً من اقتصاد الاتحاد الأوروبي، إذ تمثل أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وتدعم أكثر من 13 مليون وظيفة. وعندما يغلق مصنع للسيارات أبوابه، غالباً ما يشعر المجتمع المحلي بأثر ذلك الاقتصادي، إذ تتأثر سلسلة التوريد، وشركات النقل، والموردون، وحتى خدمات الطعام المحلية.
في ألمانيا، تبدو التحديات أكثر حدة، إذ كانت البلاد لسنوات طويلة رائدة في إنتاج السيارات ذات محركات الاحتراق عالية الجودة، إلا أنه مع تحول الصناعة نحو السيارات الكهربائية، تواجه الشركات الألمانية صعوبة في مواكبة التطورات.
وعلى سبيل المثال، حذرت «بي إم دبليو» مؤخراً من أن أرباحها ستتأثر بسبب مشكلة في المكابح لدى المورد (Continental AG) وانخفاض الطلب في الصين.
وكذلك أثار قرار «فولكس فاجن» بإلغاء ضمانات الوظائف احتجاجات من العمال، بما في ذلك مظاهرة حديثة في مصنعها الضخم في فولفسبورغ.
من جانبه، يعتقد فابيان براندت، خبير استشارات في شركة «أوليفر وايمان»، أن مصانع السيارات الأوروبية تواجه «ضغطاً هائلاً».
ويرى أن بعض المصانع ستكون عرضة للإغلاق ما لم تتمكن الشركات المصنعة من إيجاد طرق لجعلها مربحة.
من جانبه، يرى مايكل دين، محلل «بلومبرغ إنتليجنس»، أن أي مصنع يعمل بأقل من 50% من طاقته الإنتاجية من المرجح أن يكون غير مربح، ما يزيد احتمالات الإغلاق.
ويختلف أداء شركات السيارات بشكل ملحوظ، حيث يمكن أن تملأ الطرازات الجديدة المصانع بسرعة، وعلى سبيل المثال، تعاني «مرسيدس-بنز» من بطء مبيعات السيارات الكهربائية، بسبب ارتفاع الأسعار وتصاميمها التي لم تلق قبولاً واسعاً، لكنها تستعد لإطلاق عدة طرازات جديدة لتحفيز الطلب.
كما أنها تستفيد من شبكة إنتاج عالمية مرنة، مع حماية العمال من التسريح القسري حتى نهاية 2029 على الأقل.
أما «فولكس فاجن»، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، تمكنت من استعادة مستويات الإنتاج بشكل أسرع من بعض منافسيها منذ الجائحة، ومع ذلك، فإن توسعها الكبير عبر شراء شركات مثل «سكودا» في التشيك و«بنتلي» في المملكة المتحدة و«لامبورغيني» في إيطاليا، قد يكون الآن عبئاً.
يُشار إلى أنه قبل عامين، كشفت الشركة عن خطط لمصنع سيارات كهربائية بقيمة 2 مليار يورو في ألمانيا، معلنة عن تحولها نحو الكهرباء باعتباره الأكبر في الصناعة، إلا أنه مع تباطؤ المبيعات، تم تعليق تلك الخطط.
وفقاً للتقرير، فإن تباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية ينتشر عبر سلسلة التوريد بأكملها، إذ خفضت شركات مثل «فولكس فاجن» و«فولفو» من طموحاتها الكهربائية، ما ترك العديد من الموردين في موقف ضعيف.
فيما يواجه كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لشركة «ستيلانتيس»، ضغوطاً إضافية بعدما انخفضت أرباح الشركة في النصف الأول من العام.
وكذلك تجد الشركة المصنعة لسيارات «جيب» صعوبة في السوق الأميركية، بينما تواجه «فولكس فاجن» ونظيراتها الألمانية رياحاً معاكسة أقوى في الصين، حيث تسيطر الشركات المحلية بشكل متزايد.
وفي المقابل، تمكنت «رينو» من تحسين أوضاعها، إذ قلصت الشركة الفرنسية من حجم عملياتها.
وقال الرئيس التنفيذي لوكا دي ميو هذا الشهر إن الشركة تعمل بنسبة 90% من طاقتها الإنتاجية العالمية، وتقوم حالياً بتوظيف عمال جدد، العام الماضي، وكانت «رينو» تعمل على إعادة هيكلة محفظة طرازاتها، مما أثر في الإنتاج في بعض مصانعها في فرنسا.
ولا يعد إغلاق المصانع في أوروبا بالأمر الجديد، إذ أغلقت «هوندا» مصنعها في سويندون بالمملكة المتحدة قبل ثلاث سنوات، مما أدى إلى فقدان حوالي 3,000 وظيفة، إلا أن الإغلاق عادة ما يكون الخيار الأخير في منطقة تتمتع فيها النقابات والسياسيون بنفوذ كبير على قرارات الشركات.
كما ستحتاج خطة «فولكس فاجن» لإغلاق المصانع إلى موافقة مجلس الإشراف الذي يسيطر عليه السياسيون والمسؤولون العماليّون، وهي عملية قد تكون صعبة.
وفي فرنسا، تمتلك الحكومة حصة 15% في «رينو»، ويجري العمل على تحويل منطقة إلى مركز لتوريد البطاريات، الأمر الذي من شأنه تخفيف تأثير تراجع الطلب.
في إيطاليا، دخل تافاريس في صراع مع الحكومة بشأن خطط نقل الإنتاج إلى مواقع أرخص خارج البلاد، حيث سيكون التعامل مع هذه التحديات السياسية والاقتصادية ضرورياً لبقاء صناعة السيارات الأوروبية.
وبينما تكافح شركات السيارات الأوروبية مع تراجع الطلب، وارتفاع التكاليف، والضغوط التنافسية، يبقى مستقبل العديد من المصانع والوظائف معلقاً على المحك، بحسب التقرير.