يواجه عملاق صناعة السيارات الألماني، شركة «فولكس فاجن»، ضغوطاً غير مسبوقة دفعتها إلى دراسة إغلاق ثلاثة من مصانعها في ألمانيا للمرة الأولى في تاريخها الممتد لـ 87 عاماً، مع تقليص أجور العمال بنسبة 10%.
تأتي هذه الخطوة في ظل توقعات بانخفاض الأرباح، بعد أن حذّرت الشركة من هذا التراجع مرتين خلال العام الجاري. وأكدت مصادر داخلية أن هذه الخطط نوقشت خلال اجتماع مع الموظفين، قبيل إعلان نتائج الشركة للربع الثالث، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
تعد «فولكس فاجن»، التي تمتلك أيضاً علامات تجارية مثل «أودي» (Audi)، و«سكودا» (Škoda)، و«سيات» (Seat)، ثاني أكبر شركة لتصنيع السيارات في العالم. وهي ليست وحدها في مواجهة التحديات، إذ تعاني شركات سيارات أوروبية أخرى مثل «ستيلانتيس» (Stellantis)، التي تمتلك «أوبل»، و«فيات»، و«بيجو»، من ضغوط للحفاظ على مصانعها، ومنها أقدم مصنع لشركة «فيات» في تورينو بإيطاليا، رغم تراجع المبيعات.
تتجه بعض شركات السيارات الأوروبية إلى نقل خطوط إنتاجها من فرنسا إلى دول ذات تكاليف تشغيل أقل مثل المغرب وتركيا. في حين تواجه الصناعة، التي توظف حوالي 14 مليون شخص وتساهم بنسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، تراجعاً في الطلب على السيارات محلياً ودولياً، موازاة مع سعي الشركات إلى الانتقال لتصنيع السيارات الكهربائية بتكاليف مرتفعة.
تتفاقم الأزمة بسبب المنافسة الشرسة من شركات السيارات الصينية مثل «بي واي دي» ، و«نيو»، و«سايك»، و«جريت وول»، و«شيري». هذه الشركات تقدم سيارات كهربائية متطورة بتكلفة أقل بنسبة 30% من نظيرتها الأوروبية، ما يجعلها تحظى بإقبال كبير في أوروبا.
وتُظهر بيانات شركة «أوتوموبيليتي» (Automobility) أن حصة العلامات التجارية الأجنبية في السوق الصينية انخفضت إلى 37% في الأشهر الثمانية الأولى من 2024، بعدما كانت 64% في 2020.
ورغم محاولات الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية على السيارات الصينية، يحذر قادة الصناعة مثل كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لشركة «ستيلانتيس»، وأوليفر زيبسي، الرئيس التنفيذي لشركة «بي إم دبليو»، من أن الحمائية قد تؤدي إلى زيادة الأسعار على المستهلكين وإغلاق المزيد من المصانع.
تسعى بعض الشركات الأوروبية إلى التعاون مع نظيراتها الصينية لتسريع التحول نحو السيارات الكهربائية. على سبيل المثال، دخلت «فولكس فاجن» في شراكة مع شركة «إكسبنغ» (Xpeng) الصينية الناشئة، بينما تعاونت «رينو» (Renault) مع «جيلي» (Geely) لتطوير محركات احتراق متقدمة. كما استحوذت «ستيلانتيس» على 20% من شركة «ليبموتور» (Leapmotor) الصينية، ما يمنحها حقوقاً حصرية لإنتاج وبيع سيارات «ليبموتور» في أوروبا.
تعاني شركات السيارات الأوروبية من ضغوط لتحقيق التحول الأخضر، إذ سيُحظر بيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل في الاتحاد الأوروبي بعد 2035. ورغم ذلك، لا تزال السيارات الكهربائية باهظة الثمن؛ بسبب ارتفاع تكلفة البطاريات، ما يدفع المستهلكين إلى تأجيل الشراء انتظاراً لتحسين البنية التحتية للشحن.
إذا قررت الشركات الصينية الالتفاف على الرسوم الجمركية بفتح مصانع في أوروبا، كما فعلت الشركات اليابانية في الثمانينيات، قد تتفاقم مشكلة الطاقة الفائضة في الصناعة الأوروبية.
ويُرجح أن تختار هذه الشركات مواقع إنتاج في دول أوروبا الشرقية مثل المجر، حيث تكاليف التشغيل منخفضة، ما سيزيد الضغوط على الشركات المصنعة في الدول ذات التكاليف المرتفعة مثل ألمانيا وفرنسا.
ويرى محللون أن الشركات الأوروبية تحتاج إلى تغيير جذري في طريقة عملها لمواكبة السرعة التي تتبناها الشركات الصينية في تطوير السيارات. وفقاً لـ«كريستوف ويبر»، المدير التنفيذي في «أوتوفورم» (AutoForm)، فإن شركات التكنولوجيا مثل «هواوي» و«شاومي» دخلت سوق السيارات بقوة، ما يفرض ضغوطاً على اللاعبين التقليديين لتسريع وتيرة الابتكار.
في ظل هذه التحديات، بات واضحاً أن التعاون مع الصين قد يكون خياراً حتمياً لضمان البقاء والتوسع في سوق السيارات العالمية، وسط تنافس شرس على الريادة في مجال السيارات الكهربائية.