من بين 151 دولة حللت بياناتها من قبل منصة البلوكتشين العالمية «تشيناليسيس» (Chainalysis)، فاجأت الهند سوق العملات المشفرة مجدّداً بصدارتها للعالم في تبني هذه الأصول على مستوى القاعدة الشعبية.
دلّت نتائج تقرير «جغرافيا العملات المشفرة» السنوي الخامس لـ«تشيناليسيس»، التي تستند إلى مئات الملايين من تعاملات العملات المشفرة وأكثر من 13 مليار زيارة للويب، على ارتفاع مستوى القاعدة الشعبية للعملات المشفرة على مستوى العالم عموماً، حيث بدأت تترسخ حالات الاستخدام أكثر فأكثر، خاصة في الدول التي تشهد تحديات اقتصادية وجيوسياسية.
أظهر التقرير، الذي تلقت «إرم بزنس» نسخة منه، هيمنة ملحوظة لدول منطقة وسط وجنوب آسيا وأوقيانوسيا المعروفة اختصاراً بـ(CSAO) على مؤشر عام 2024، حيث تقع سبع من بين الدول الـ20 الأكثر تبنّياً للعملات المشفرة في تلك المنطقة، فإلى جانب الهند تبرز أيضاً إندونيسيا التي حلت في المرتبة الثالثة عالمياً، وفيتنام (5)، والفلبين (8)، وباكستان (9)، وتايلاند (16)، وكمبوديا (17).
وبينما كان النمو في تبني العملات المشفرة خلال العام الماضي، مدفوعاً في المقام الأول بالشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل، يشير التقرير الحديث إلى زيادة في نشاط التشفير خلال العام الجاري في البلدان من جميع فئات الدخل، ما عدا بعض التراجع الذي طال البلدان ذات الدخل المرتفع منذ بداية العام.
في قائمة «مؤشر التبني العالمي للعملات المشفرة 2024»، تبرز أيضاً دول تشهد معدلات تضخم مرتفعة مثل تركيا ونيجيريا، ودول أميركا اللاتينية كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك والبرازيل، بالإضافة إلى حضور لافت لروسيا وأوكرانيا، في ظل محاولات إيجاد بدائل عن العملات المحلية التي تصارع الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تلك المناطق. فيما غابت الدول العربية عن قائمة «العشرين» لهذا العام بعد أن كانت ضمّت المغرب العام الماضي.
بين الربع الأخير من عام 2023 والربع الأول من عام 2024، زادت القيمة الإجمالية لنشاط التشفير العالمي بشكل كبير، لتصل إلى مستويات أعلى من تلك التي سجّلت في عام 2021 الذي شهد سوقاً صاعدة، وفقاً لتقرير «تشيناليسيس».
وقد أدى إطلاق صناديق بيتكوين المتداولة في الولايات المتحدة إلى زيادة القيمة الإجمالية لنشاط التداول بأكبر عملة مشفرة في العالم، وذلك في المناطق جميعها، مع نمو قوي بشكل خاص على أساس سنوي في حجم التحويلات المؤسساتية في المناطق ذات الدخل المرتفع، مثل أميركا الشمالية وأوروبا الغربية.
بين يوليو 2023 ويونيو 2024، زادت أحجام تعاملات المؤسسات بالبيتكوين، والتي تفوق 10 ملايين دولار، بأكثر من 250%، أما التعاملات المؤسساتية التي يتراوح حجمها بين مليون و10 ملايين دولار، فنمت بنحو 125%، بحسب التقرير.
في المقابل، كان النمو السنوي للتعاملات بالعملات المستقرة أعلى لجهة تحويلات الأفراد والمحترفين، وهو ما دعم حالات الاستخدام في «العالم الحقيقي» داخل البلدان ذات الدخل المنخفض والشريحة الدنيا من البلدان ذات الدخل المتوسط في مناطق مثل أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية، على وجه الخصوص.
من ناحية أخرى، زاد نشاط التمويل اللامركزي (DeFi) بشكل كبير في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية.
مثلت منطقة وسط وجنوب آسيا وأوقيانوسيا (CSAO) ثالث أكبر منطقة تشفير تمت دراستها في إطار إعداد المؤشر، حيث سيطرت على أكثر من 750 مليار دولار من تدفقات الأصول المشفرة بين يوليو 2023 ويونيو 2024.، أي 16.6٪ من القيمة العالمية المستلمة، ما يضع المنطقة خلف أميركا الشمالية وأوروبا الغربية فقط، وفي مرتبة أعلى بكثير من باقي مناطق العالم.
أرجع تقرير «تشيناليسيس» نشاط العملات المشفرة في تلك المنطقة إلى زخم التداولات عبر البورصات المركزية، حيث تمثل التحويلات التي تزيد على 10000 دولار الحصة الأكبر من القيمة المستلمة، ما يشير إلى نشاط احترافي ومؤسساتي كبير. وقد تصدرت إندونيسيا دول منطقة (CSAO) من حيث قيمة العملات المشفرة المستلمة، بحوالي 157.1 مليار دولار.
استطاعت الهند الحفاظ على ريادتها لسوق العملات المشفرة من ناحية القاعدة الشعبية، رغم البيئة التنظيمية الصارمة. فضريبة مكاسب رأس المال من العملات المشفرة المرتفعة نسبياً في البلاد (30٪) إلى جانب ضريبة 1٪ على المعاملات جميعها - المعروفة أيضاً بالضريبة المستقطعة من المصدر (TDS) - دفعت بعض المستثمرين الهنود للنزوح إلى البورصات الخارجية التي تقل فيها صرامة المتطلبات التنظيمية.
لكن لا يبدو أن هذه التوجهات تعيق النمو الإجمالي لتبني العملات المشفرة في البلاد، وهو ما أكدته نتائج هذا العام. فبالإضافة إلى تبوّئها المرتبة الثانية ضمن منطقة (CSAO) من حيث قيمة العملات المشفرة المستلمة، تصدرت الهند العالم في مؤشر التبني العالمي لهذا العام.
في ديسمبر 2023، أخطرت وحدة الاستخبارات المالية الهندية (FIU) تسع بورصات خارجية من بينها «باينانس» (Binance) و«بيتستامب» (Bitstamp)، بعدم توافقها مع قوانين مكافحة غسل الأموال في الهند، وبالتالي طلبت من وزارة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات (MeitY) حظر عناوين URL الخاصة بها عن العملاء المقيمين في الهند.
مع ذلك، ظل المستخدمون قادرين على الوصول إلى هذه البورصات. وقد قام مركز الأبحاث الهندي «إيسيا» (Esya) بتحليل تأثير حظر عناوين URL على سوق الأصول الرقمية الافتراضية، ليجد أنه قصير الأجل.
على نحو مماثل، وفي معرض تعليقه على نتائج تقرير «تشيناليسيس»، استبعد فيكرام رانغالا، المدير التنفيذي لشركة «زيب باي» (ZebPay)، وهي منصة لتداول العملات المشفرة وتوفير المحافظ الإلكترونية ومقرها في الهند، أن يستمر الحظر الصادر عن وحدة الاستخبارات المالية لفترة طويلة، معرباً عن أمله في أن يستفيد النظام البيئي النشط للعملات المشفرة و«الويب 3» في الهند من مزيد من الوضوح التنظيمي.
وقال: «البورصات الخارجية ستدخل قريباً إلى هذا النظام البيئي الناشئ. في وقت سابق، شهدنا هروب المستثمرين من البورصات الهندية إلى البورصات العالمية بسبب الضرائب المرتفعة. آمل أنه مع الوضوح التنظيمي، سنحصل أيضاً على نظام ضريبي أكثر قابلية للتطبيق يعزز الابتكار، ويجلب جميع جوانب العملات المشفرة والويب 3 إلى الاقتصاد بطريقة مستدامة».
حدث أخيراً تواصل بين الفاعلين في القطاع والجهات التنظيمية في الهند، ومن مؤشرات التغيير القرار الأخير الذي اتخذته وحدة الاستخبارات المالية برفع الحظر الذي فرضته على منصة «باينانس»، بعد تسجيلها ككيان معلن، ما يفتح باب السوق الهندية مجدداً أمام أكبر بورصة للعملات المشفرة.