logo
اقتصاد

بعد عام على الحرب.. شركات إسرائيلية تواجه أزمة بقاء

بعد عام على الحرب.. شركات إسرائيلية تواجه أزمة بقاء
مقر البنك المركزي الإسرائيلي في القدس المصدر: رويترز
تاريخ النشر:29 سبتمبر 2024, 04:01 م

بينما تبدو القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل متفائلة بعد تحقيق انتصارات عسكرية، تبرز جوانب أخرى من الأزمة تحتاج إلى الانتباه، خاصة الخسائر الاقتصادية التي تعاني منها الشركات الكبرى. ورغم أن أصوات الصواريخ والانفجارات تطغى على المشهد، فإن تأثير الصراع المستمر منذ نحو عام ينعكس بشكل واضح على الاقتصاد.

تشير تقارير متعددة، بما في ذلك تقرير من صحيفة «غلوبس» الاقتصادية، إلى أن الشركات الإسرائيلية تواجه تحديات كبيرة في الاستمرار وسط الأوضاع الحالية. فالتعبئة العامة للجيش واستدعاء جنود الاحتياط تلقي بعبء إضافي على أصحاب الأعمال وعملائهم. العديد من أصحاب الشركات انضموا إلى صفوف الاحتياط، مما يفقدهم قاعدة عملائهم. وفي الوقت نفسه، يعاني عدد كبير من العملاء أيضاً بسبب استدعائهم للخدمة العسكرية، مما يقلل من الطلب على الخدمات والمنتجات.

تتسم ظروف الاستدعاء بالاستمرار، حيث يقضي بعض الجنود عشرات الأيام في الخدمة، بينما يقضي آخرون مئات الأيام. هذا الوضع يخلق صعوبة كبيرة في إدارة الأعمال، وقد يؤدي إلى فقدان الوظائف، كما أن الشركات الصغيرة، التي كانت في مراحل مبكرة من النمو، وجدت نفسها مضطرة للتوقف عن التوسع والنمو بسبب الضغوط الاقتصادية.

في ظل هذه الظروف، يبقى صوت القطاع الاقتصادي خافتاً أمام الضغوط المتزايدة، مما يثير تساؤلات حول كيفية معالجة هذه التحديات من قبل القيادة الإسرائيلية.

عدم الوفاء بالوعود

التقرير أكد أن الدولة لم تفِ بوعودها المتعلقة بتعويض الشركات التي تضررت دخلها المالي بسبب الأوضاع الراهنة. وذكر أنه يجب معالجة أربع مصاعب رئيسية بشكل فوري، وهي مصاعب تُعتبر غير منطقية وغير معقولة، وتشمل الضرائب العقارية المرتفعة المفروضة على الشركات، ووجود «رأس المال الأسود» الضخم الذي كان بالإمكان كشفه منذ فترة طويلة، إضافة إلى مبلغ 1.2 تريليون شيكل المحتجز في حسابات الدولة المصرفية، وأيضاً نفقات الضيافة للعاملين على حساب المؤسسات.

في هذا السياق، دعا وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل خلال كلمته في لجنة المالية بالكنيست، السلطات إلى رفع الضرائب العقارية.

تقرير «غلوبس» الذي حمل عنوان «نزيف الشركات» أوضح أن مسؤولي الضرائب العقارية يواجهون صعوبة في الوصول إلى المناطق التجارية التي تعرضت للقصف، حيث تكون الأرواح في خطر، كما أن التعويضات عن الأضرار لا تتماشى مع الأحداث الجارية.

ولفت إلى أن المتضررين من الصراع قد تلقوا 16 مليار شيكل من صندوق تعويضات ضريبة الأملاك، بالإضافة إلى عدة مليارات أخرى من الدولة لتعويض الأضرار الاقتصادية غير المباشرة، في حين أن مبالغ أكبر بكثير لم تُدفع بعد. وأكد أنه لا يوجد شيء مؤكد اليوم بالنسبة للأعمال أكثر من زيادة معدل الضريبة العقارية في يناير المقبل بنسبة 5.29%، وفق صيغة تلقائية تتكون من نصف الزيادة في الأجور في الخدمة العامة ونصف الزيادة في مؤشر أسعار المستهلك. وهذا يُعتبر ظلماً مضاعفاً للشركات والعائلات، التي تعاني أيضاً من فقدان 20% سنوياً من مبلغ الدعم الحكومي المخصص للعائلات وفق معدل الكفاءة الشاملة.

في الواقع، يعاني المقاولون والشركات وأصحاب المكاتب وصغار المستقلين جميعاً من الضغوط التي تفرضها الحكومة، في حين أن التعويضات المستحقة تظل صعبة المنال بسبب استمرار الصراع.

وقد طالب خبراء اقتصاديون في التقرير ذاته الحكومة الإسرائيلية بإلغاء بند يُعرف بـ«ماباي»، والذي تم العمل به منذ عقد من الزمن، وينص على أنه مقابل كل 100 شيكل تدفعها الأسرة للسلطة المحلية، تحصل الأسرة على متوسط خدمات بقيمة 160 شيكل، ودعا الخبراء إلى تعديل القانون قبل مطلع العام القادم وإعادة الصيغة السابقة لكفاءة 20%.

علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى أنه مقابل كل 100 شيكل تدفعها الشركة كضريبة على الأملاك، تحصل على خدمات بقيمة 60 شيكل فقط. وهذا الأمر يراه الاقتصاديون المعترضون على القانون تحريفاً كبيراً، ويجب تغيير الصيغة إلى نموذج أكثر منطقية، كما هو الحال في الدول الأخرى.

عجز بقيمة 161 مليار شيكل

تكلف الحرب الحكومة الإسرائيلية ما متوسطه 10.26 مليار شيكل شهرياً خلال الأشهر الـ11 الأولى، مما ساهم في تفاقم العجز المالي. وبلغ إجمالي العجز الحكومي العام الماضي حتى شهر أغسطس 161.4 مليار شيكل، ومنذ بداية عام 2024 وصل العجز إلى 84 مليار شيكل، مما رفع العجز الحكومي إلى 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي.

ويستمر الإنفاق الحكومي في التراكم يومياً، ومع استمرار الصراع، من المحتمل أن يتزايد هذا العجز. وإذا تمكن النظام الصناعي الدفاعي من إنتاج المزيد من الذخيرة أو زاد من استيرادها، فإن العجز الحكومي قد يتجاوز التوقعات الحالية.

وحلّل التقرير الحالة الاقتصادية المتدهورة في إسرائيل، مشيراً إلى أن ضخ الحكومة للأموال يزيد من حجم رأس المال المتداول في الاقتصاد، وقال إن «هذا الكم الهائل من المال، بالإضافة إلى ما يُعرف بـ(المال الغبي) في أيدي الجمهور والشركات، أدى إلى وجود مبلغ كبير في الحسابات الجارية لدى النظام المصرفي يصل إلى 1.22 تريليون شيكل. وهذا المبلغ لا يُحقق أي فائدة، حيث بلغ معدل الفائدة 3.6% في العام الماضي، مما يسبب تآكل المال العام بالمعنى الواسع».

وتقدر الخسارة بنحو 44 مليار شيكل سنوياً بأسعار اليوم نتيجة عدم استفادة الجمهور من العوائد المحتملة. إذا حصل الجمهور على نصف الفائدة الأساسية، أي 3% سنوياً في المتوسط، فإن من حقهم الحصول على دخل قدره 36.6 مليار شيكل سنوياً.

الكل تضرر من «الحرب اللعينة»

«غلوبس»، لفتت إلى أن أسعار الفائدة في إسرائيل لن تنخفض على الرغم من تخفيضها في أوروبا والولايات المتحدة، وسيستمر الضرر الذي يلحق بمجتمع الأعمال والعاملين لحسابهم الخاص والعائلات، وستستمر فوائد البنوك في الارتفاع والانفجار أعلى وأعلى.

وتساءل التقرير: ألم يحن الوقت لحل هذه المشكلة المؤلمة؟

مضيفاً أنه لابد من تمرير مشروع قانون، بالتشاور مع مع بنك إسرائيل ووزارة الاقتصاد وخبراء من الأوساط الأكاديمية، يقضي بأن جميع جنود الاحتياط في الحرب، وجميع المنخرطين فيها قد تضرروا، ويحق لهم التعويض المباشر من الدولة، سواء بسبب إصابة جسدية أو خسارة مالية غير مباشرة، وكل من يحق له الحصول على مساعدات حكومية بسبب الحرب، وكل أسرة دُمرت حياتها، وكل عائلة أُصيب أحد أفرادها، وكل مصنع تضرر، وكل صاحب مصنع، وحتى من يملك حظيرة الدجاج وتضرر بسبب الحرب، وكل عامل خاص أفلس أو أُغلق محل عمله، سيكون له الحق في الحصول على فائدة تلقائية على الحساب الجاري بمعدل النصف، وهذا من تحقيق أجل العدالة الاجتماعية والكريمة خلال هذه الحرب اللعينة – على وصف التقرير-.

وكانت لجنة المالية في الكنيست، قد صادقت الأسبوع الماضي على القراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون للاستثمارات المشتركة في الصناديق الإتئمانية وهو صندوق مالي محدد المدة، والذي سيتيح الوصول الأمثل للجمهور إلى الصناديق المالية الموجودة فيها.

وسيدخل القانون الجديد حيز التنفيذ في غضون ثلاثة أشهر، وتجدر الإشارة إلى أن عائد الأموال المالية أصبح الآن قادراً على اتباع سعر فائدة بنك إسرائيل، والذي يبلغ  في الوقت الراهن 4.5% سنوياً.

أزمة المتهربين من الضرائب

أشار التقرير إلى أهمية تتبع المتهربين من الضرائب في إسرائيل، معبراً عن دهشته من عدم قدرة الدولة على القيام بذلك رغم تقدمها في استخدام الذكاء الاصطناعي. فقد أصبحت إسرائيل من بين الدول الرائدة في هذا المجال، حيث يستخدم الجيش الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، بما في ذلك المراقبة، اتخاذ القرارات أثناء القتال، وجمع المعلومات الاستخباراتية المستمرة. وهذا يجعل من الغريب أن تكون الحكومة غير قادرة على استخدام نفس التقنيات لتحديد المتهربين من الضرائب.

وأكد التقرير أن إسرائيل بحاجة ماسة لكل شيكل لدعم الحرب المستمرة، وأن العثور على المتهربين من الضرائب وفرض عقوبات تتراوح بين الغرامات والسجن يُعتبر أولوية قصوى في الوقت الحالي. وركز التقرير على عدة فئات يُعتقد أنها تعاني من التهرب الضريبي، بما في ذلك جهات الاستخبارات، حيث يجب مراقبة المدفوعات العامة الباهظة نقدًا، وكذلك مشتري السيارات الفاخرة، والمنازل الراقية، وبيوت الاستثمار، ورحلات السفر المتكررة، وحتى مشتري الساعات الفاخرة. كل هذه البيانات متاحة، وتحتاج إلى قرارات جادة من قبل الحكومة.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن الإسرائيليين شهدوا نمواً اقتصادياً في السنوات التي سبقت الحرب، ولكن مع استمرار الصراع، أصبح الوضع الاقتصادي أشبه بالنزيف. في الوقت الحالي، هناك ما لا يقل عن 2200 شركة تعمل في مجال التكنولوجيا الفائقة، والتي يُعتقد أنها تتهرب من الضرائب بمعدل يتراوح بين 10% و20% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي سياق متصل، تم تقديم اقتراح لاستبدال الأموال بأوراق نقدية جديدة ذات قيمة إسمية أقل، على غرار ما حدث في الهند خلال الثورة النقدية التي قادها رئيس الوزراء ناريندرا مودي. يُنظر إلى هذا الإجراء كوسيلة محتملة للحد من التهرب الضريبي وتحسين إدارة الاقتصاد، لكنه يتطلب تنفيذاً دقيقًا ورؤية شاملة لضمان نجاحه.

كل هذه الأمور تشير إلى ضرورة اتخاذ خطوات جادة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، وضمان استدامة المالية العامة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC