يثير فشل اجتماع مجموعة العشرين المالية، أمس في جنوب إفريقيا، التساؤلات حول أهمية الهيئة في عصر تراجع الدعم الأميركي للمنتديات المتعددة الأطراف.
ولم يتمكن وزراء مالية مجموعة العشرين من الاتفاق على بيان مشترك لاجتماعهم في مدينة كيب تاون.
وكان الاجتماع الذي استمر 3 أيام محاطاً بسحابة من الضبابية بالفعل بعد أن قرر وزراء من العديد من الاقتصادات الرائدة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين واليابان وكندا والهند والمكسيك، عدم المشاركة، وإرسال نوابهم بدلاً من ذلك.
وقال وزير مالية جنوب إفريقيا إينوك غودونغوانا، الذي استضاف المحادثات التي اختتمت الخميس، إنه «غير سعيد» بسبب الفشل في الاتفاق على نص، بعد الخلافات حول مجموعة من القضايا من تمويل المناخ إلى التجارة وتهديد التعريفات الجمركية الأميركية.
وتمكن غودونغوانا من إصدار «ملخص رئيس» بدلاً من البيان المعتاد الذي يحدد الاتفاقيات والمهام.
وقال المسؤول الجنوب إفريقي: «في حين أن عدم التوصل إلى اتفاق ليس أمراً غير معتاد في منتديات مجموعة العشرين منذ الانقسامات التي اندلعت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، فإن اختلافات جديدة ظهرت حول عدد من الموضوعات».
وعندما سئل عن التفاصيل، قال إن الدول لديها «وجهة نظر مختلفة حول كيفية إدارة تمويل المناخ»، بينما رفض تحديد الدول التي أعاقت الاتفاق.
وقال بعض المحللين إن انسحاب أكبر اقتصاد في مجموعة العشرين من المناقشات أثار تساؤلات حول أهميتها. ورأى آخرون فرصة للمضي قدماً بدون الولايات المتحدة.
دانييل سيلك، مدير استشارات المستقبل السياسي قال لوكالة «رويترز»: «قد يكون هناك تآزر بين الآخرين من خلال استبعاد الولايات المتحدة في قضايا معينة».
كانت الولايات المتحدة استثناءً عندما يتعلق الأمر بتمويل المناخ، وهو إحدى الركائز الأساسية لقائمة أولويات مجموعة العشرين، إذ سحبت إدارة الرئيس دونالد ترامب 4 مليارات دولار من التعهدات لصندوق المناخ الأخضر، وهي مبادرة تابعة للأمم المتحدة.
ومن بين نقاط الخلاف الأخرى رفض أغلب دول مجموعة العشرين للحمائية، وهي مبدأ أساسي في سياسة ترامب «أميركا أولاً»، التي فرض من خلالها تعريفات جمركية على عدة دول، بما في ذلك الحلفاء التقليديون. وقال ترامب هذا الأسبوع إنه يعتزم فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع من الاتحاد الأوروبي، قائلاً إن هدف الكتلة هو إزعاج الولايات المتحدة، على حد قوله.
مسؤول أوروبي حضر اجتماعات مجموعة العشرين قال لصحيفة «فاينانشال تايمز»، إن «كلمات قاسية» تم تبادلها بين وزراء مالية أوروبا ومسؤولين أميركيين في ضوء تهديدات ترامب.
وأشار إلى أنه من نواح كثيرة، كانت الولايات المتحدة وحيدة. وكان موقفها التجاري على لسان الجميع، وكانت العديد من المناقشات تدور حول التعريفات الجمركية الأميركية وما هو على المحك بالنسبة للتعددية. وبشكل عام، فإن الدول الأوروبية متفقة على أن هذه الحماية التجارية سيئة للعالم.
وفي ملخص المحادثات الذي أصدره رئيس مجموعة العشرين في ختام القمة، قالت المجموعة إن المناقشات «أكدت الالتزام بمقاومة الحمائية»، والالتزام «بنظام تجاري متعدد الأطراف مع منظمة التجارة العالمية في جوهره».
وهذا من شأنه أن يضع مجموعة العشرين على مسار تصادمي محتمل مع إدارة ترامب، التي ستتولى رئاسة المجموعة في وقت لاحق من هذا العام.
إدارة ترامب أبدت فتوراً في تعاملها مع مجموعة العشرين، حيث انضم وزير خزانتها سكوت بيسنت إلى وزير الخارجية ماركو روبيو في عدم حضور الاجتماع الوزاري.
وقلل غودونغوانا من أهمية غياب بيسنت، قائلاً إنه أرسل مذكرة تفيد بأنه سيحضر، لكنه انسحب في اللحظة الأخيرة بعد أن دعا ترامب إلى اجتماع لمجلس الوزراء.
وكان الإنفاق الدفاعي مجالاً آخر للخلاف، حيث تضغط الولايات المتحدة على حلفائها التقليديين في حلف شمال الأطلسي لزيادة إنفاقهم إلى 5% من ناتجهم المحلي الإجمالي.
وفي هذا الصدد قالت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز، إنها ستضغط على نظرائها الأوروبيين في مجموعة العشرين لزيادة الإنفاق العسكري في «لحظة جيلية» بالنسبة لأوروبا، مضيفة أن الأمن هو الأساس للنمو الاقتصادي.
مسؤول أوروبي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» قال إن هناك اتفاقاً عاماً في أوروبا على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، لكن السؤال هو كيف، وبأي قدر؟.
وكانت جنوب إفريقيا تأمل أن تستغل اجتماع مجموعة العشرين لزيادة الضغط على الدول الغنية لتقديم المزيد لمكافحة تبعات تغير المناخ وضخ المزيد للمساعدة على تحول الدول الأفقر للطاقة النظيفة وتأقلمها مع أحوال الطقس التي تزداد سوءاً.
ورغم أن الولايات المتحدة لم تنسحب من منظمة التجارة العالمية، فإنها تجري مراجعة لجميع المنظمات المتعددة الأطراف التي تشارك فيها البلاد.