logo
مقالات الرأي

عودة التضخم ومخاوف الركود

عودة التضخم ومخاوف الركود
صالة التداول في وول ستريت المتأثرة سلباً ببيانات التضخم.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:28 فبراير 2025, 10:18 ص

في ظل التطورات الاقتصادية الأخيرة، عاد التضخم ليشكل مصدر قلق متزايداً، مدفوعاً بعدة عوامل أبرزها السياسات التجارية الحمائية التي تتبناها الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، الذي فرض تعرفة جمركية تبلغ 25% على واردات السيارات وأشباه الموصلات والأدوية بدءاً من 2 أبريل، وهو ما يعيد إلى الواجهة الجدل حول تأثير هذه السياسات على التضخم والنمو الاقتصادي.

التضخم.. واستمرار الضغوط على الأسعار

أظهرت بيانات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) لشهر يناير أن التضخم لا يزال بعيداً عن هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، حيث ارتفع بنسبة 3% على أساس سنوي، و0.5% مقارنة بالشهر السابق. وكان لارتفاع تكاليف الوقود، والإسكان، والغذاء دور أساسي في هذا الاتجاه الصعودي.

تضع هذه البيانات تحديات لمدى قدرة البنك المركزي الأميركي على تحقيق استقرار الأسعار دون الإضرار بالنمو الاقتصادي. فمع استمرار الضغوط التضخمية، يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه في موقف معقد بين خيارين: الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول لاحتواء التضخم، أو تخفيف السياسة النقدية لدعم النشاط الاقتصادي، ما قد يؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار.

أخبار ذات صلة

التضخم في الولايات المتحدة يرتفع إلى 3% خلال يناير متجاوزاً التوقعات

التضخم في الولايات المتحدة يرتفع إلى 3% خلال يناير متجاوزاً التوقعات

التأثير الاقتصادي للتعريفات الجمركية

تمثل التعريفات الجمركية المقترحة عاملاً إضافياً قد يساهم في ارتفاع التضخم، إذ تؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، ما ينعكس على الأسعار النهائية للسلع والخدمات. فعندما ترتفع تكاليف المدخلات الصناعية، تصبح الشركات مجبرة على تمرير هذه الزيادة إلى المستهلك، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم على المدى القصير.

كما أن تأثير التعريفات يمتد إلى سلاسل التوريد العالمية، حيث يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في تدفق السلع وزيادة تكاليف الاستيراد، لا سيما في القطاعات الحساسة مثل التكنولوجيا، والصناعات الدوائية، وقطاع السيارات.

في هذا السياق، يتوقع بعض الاقتصاديين أن تؤدي هذه العوامل إلى إبطاء النمو الاقتصادي، دون تحقيق انخفاض سريع في التضخم، مما يزيد احتمالية الدخول في مرحلة ركود تضخمي (Stagflation)، حيث يتباطأ النمو بينما تبقى الأسعار مرتفعة.

خيارات الفيدرالي ومخاطر الركود

تعتمد قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشكل أساسي على تحركات التضخم وسوق العمل. وفي ظل البيانات الحالية، فإن أي تغيير في أسعار الفائدة يجب أن يراعي الضغوط التضخمية وتأثيرات السياسة التجارية.

تشير تقديرات المكتب الأميركي للتحليل الاقتصادي إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بلغ 4.2% في الربع الرابع من عام 2024، وهو معدل يعكس استمرار قوة إنفاق المستهلكين. ومع ذلك، إذا تسببت الضغوط التضخمية في تراجع القدرة الشرائية، فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو في النصف الثاني من العام الجاري، ما يرفع مخاطر الركود الاقتصادي.

الركود التضخمي.. سيناريو محتمل

يُعرّف الركود التضخمي بأنه حالة اقتصادية يجتمع فيها تباطؤ النمو مع استمرار ارتفاع التضخم، وهو وضع يصعب التعامل معه من خلال أدوات السياسة النقدية التقليدية.

وإذا استمر التضخم مرتفعاً في ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي، فقد يصبح خفض أسعار الفائدة أكثر خطورة، لأنه قد يؤدي إلى زيادة التضخم بدلاً من تحفيز النمو.

وفي هذا السياق، يرى بعض المحللين أن السياسات الحمائية مثل فرض التعريفات الجمركية قد تزيد احتمالية حدوث ركود تضخمي، لأنها تؤثر سلباً على الإنتاج والتجارة العالمية، وتدفع الشركات إلى إعادة النظر في استثماراتها طويلة الأجل.

أخبار ذات صلة

الأسواق الاميركية ترتفع بدعم نتائج الشركات.. والتضخم دون مفاجآت

الأسواق الاميركية ترتفع بدعم نتائج الشركات.. والتضخم دون مفاجآت

التداعيات العالمية للسياسات التجارية الأميركية

على الصعيد الدولي، حذرت العديد من المؤسسات المالية من أن أي تصعيد في السياسات التجارية الحمائية قد يؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي العالمي.

وصرّح لي تشنغانغ، سفير الصين لدى منظمة التجارة العالمية (WTO)، بأن هذه «الصدمات الجمركية» قد تزيد عدم استقرار الاقتصاد العالمي، وتعيق التجارة الدولية، وترفع خطر الركود الاقتصادي.

فيما أشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن التوترات التجارية المتزايدة يمكن أن تؤدي إلى تراجع الاستثمارات العالمية، حيث تمثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي أكبر اللاعبين في التجارة الدولية، وأي تراجع في حركة التجارة بين هذه القوى قد تكون له تداعيات سلبية على الأسواق الناشئة وبقية أسواق العالم.

نظرة مستقبلية.. الاقتصاد بين التعافي والضغوط التضخمية

في ظل المعطيات الحالية، لا تزال حالة عدم اليقين تسيطر على المشهد الاقتصادي الأميركي والعالمي. وبينما يراقب الفيدرالي تطورات التضخم لاتخاذ قراراته المقبلة، تبقى السياسات التجارية عاملاً غير محسوم قد يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق إذا لم يتم التعامل معه بحذر.

تظل التطورات الاقتصادية خلال الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مسار الاقتصاد الأميركي، سواء من حيث القدرة على احتواء التضخم، أو تجنب الدخول في ركود محتمل، في ظل بيئة اقتصادية وسياسية تعاني عدم اليقين.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC